هي تسهيل واتساع في تلاوة القرآن، اقتضتهما حكمة باهرة أطال في بيانها علماء هذا الشأن، ومردّ ذلك إلى أمرين اثنين:
الأول: التسهيل على القبائل العربية المختلفة أن تجد الوسيلة إلى قراءة القرآن قراءة صحيحة كما أنزل دون أيّ تحريف أو تأثم.
الثاني: أن تقف عامّة قبائل العرب وفئاتهم على المعجزة القرآنية من الوجوه المختلفة التي يعرفونها ويمارسون لغتهم بها، وأن ينتصب معنى التحدي أمامهم من هذه الوجوه كلها، فعلى أيّ الأشكال وبأيّ وجوه النطق والأداء أمكنهم أن ينهضوا لمعارضته والإتيان بمثله فلينهضوا ويقدموا ... وبذلك يكون القرآن حجة على أخلاط العرب وفئاتهم كلهم، ويكون معنى التحدّي به قد لزمهم جميعهم.
[ما معنى تحديدها بالسبعة ومتى حددت بهذا العدد:]
ولم تكن وجوه القراءات التي يقرأ بها النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويتلقاها منه أصحابه، محصورة في سبع أو عشر قراءات، بل ربما بلغت أوجه القراءات في مجموعها أكثر من ذلك. وما كان يخطر في بال أحد من الصحابة أن يحصر هذه الوجوه ويجمعها ليحصيها ويقرأ بها كلها ولتكون بذلك فنّا من فنون القرآن وعلما مستقلا من علومه. ولكن الصحابة- وخاصة من اشتهروا بالقراءة منهم- كانوا يتلقون القرآن من فم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالأوجه والطرق التي يؤدي بها، فيأخذون عنه ذلك، ثم يقرأ كلّ منهم بما تيسر له أو اختاره من هذه الوجوه، كما دلّت على ذلك الأحاديث الثابتة الصحيحة.
وقد اشتهر بالقراءة والأقراء من الصحابة عدد كبير، في مقدمتهم:
عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، فعنهم أخذ كثير من الصحابة والتابعين في الأمصار، وقد اشتهر كل واحد منهم بوجه من أوجه القراءة اختاره ولازمه وأقرأه الناس، فكان يقال: هذه قراءة عبد الله، وهذه