تعرض هذه الآيات لبيان أحد عشر مبدأ من أهم المبادئ الإنسانية العامة. مبتدأة ومختتمة بمبدإ التوحيد والعبودية لله عزّ وجلّ. وتأتي هذه الآيات بعد آيات سابقة تتحدث عن أهمية القرآن في إصلاح حياة الإنسان ودلالته على النهج القويم، وعن حدود المسئوليات ونظامها وقيمة كلّ من الحياتين الدنيوية والأخروية.
فهي تأتي بعد منبهات وحوافز تهيئ كلّا من النفس والذهن لقبول ما تتضمنه هذه الآيات من مبادئ الإنسانية بقبول حسن.
[شرح الآيات:]
* وقضى ربك ألّا تعبدوا إلا إياه. أي أمر ربك ألّا تعبدوا إلا إيّاه، وقد استهلّ الخطاب بجملة إخبارية للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهي: وقضى ربك. ثم التفت بالخطاب إلى الناس حينما تحول من الإخبار إلى الإنشاء، فقال: ألّا تعبدوا إلا إياه. وذلك لأن الجملة الأولى حكاية فناسب أن يتجه الخطاب فيها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأما الثانية فأمر وتوجيه، فناسب أن يتجه الخطاب فيها إلى عامّة الذين يتجه هذا الأمر إليهم.
فهذا أول مبدأ من المبادئ الأحد عشر، وهو أخطرها وأهمها.
ثم أتبعه بالمبدإ الثاني قائلا: وبالوالدين إحسانا، أي وأن تحسنوا بالوالدين إحسانا، تقول. أحسنت به وأحسنت إليه. وإنما جعل رتبة برّ الوالدين إثر رتبة توحيد الله وعبادته، لأن الله هو المسبّب الحقيقي لوجود الإنسان وعيشه وارتزاقه، والوالدان هم السبب الجعلي والظاهري لكلّ من الوجود والعيش، فلئن كان المقتضي لعبادة الله أنه الخالق والمنعم الحقيقي، فإن المقتضي لبرّ الوالدين ما قضت به حكمة الله من أن يكون وجود الإنسان بهما ونشأته عن طريق رعايتهما.
ثم شرح المقصود بالإحسان فقال: إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. وأصل الجملة: إن يبلغ