للناس ما نزل إليهم. فهذا وجه ثان في الحاجة إلى تفسيره والاطمئنان إلى حقيقة معانيه المرادة منه.
الوجه الثالث: إن القرآن كتاب يحوي ببين دفتيه مبادئ العقيدة والتوحيد، كما يحوي مبادئ الشريعة وأحكام الحلال والحرام، ويشمل التوجيهات الأخلاقية ومبادئ التنظيمات الاجتماعية، إلى جانب ما فيه من عبر الأمم الماضية والإخبار عن المغيبات ووجوه النقاش والحجاج.
فلا جرم أنه إنما يتناول كل ذلك ويعالجه بأسلوب من التركيز والاختصار يضمن للقارئ الفهم الموجز الكلي من ناحية، ويحمله على البحث والدرس والوقوف على تفصيلات ذلك من ناحية أخرى. فكانت الحاجة إلى تفسير القرآن من هذه الجهة استجابة للغرض المتعلق بتفصيل موجزاته وشرح كلياته.
الوجه الرابع: أن المعنى الذي يراد بتفسير القرآن بعد كل هذا الذي ذكرناه- ليس متوقفا على شرح الكلمة وترجمتها، وإنما هو يتعدى ذلك إلى وجوه وأنواع من الاستنباطات المتعلقة بدقائق المباحث والعلوم، تختلف حسب اختلاف وجهة المفسّر واختصاصه من عربية وأصول فقه وتوحيد وكونيات.
والقرآن «كما قد علمت وستعلم» ذو دلالات متسلسلة لا تكاد تتناهى. وإنما سبيل الكشف عنها أو عن بعضها، بعكوف أرباب الاختصاصات عليه بالدرس والبحث والتفسير.
فهذه هي خلاصة الأسباب الداعية إلى تفسير القرآن وشرحه. وهي كما رأيت، أسباب لا تتنافى مع كونه كتابا عربيا غير ذي عوج، ولا تتعارض مع ما هو مقرر ثابت من أن الله إنما يخاطب عباده بما يفهمون.
[نشأته وتطوره:]
نشأ علم التفسير في صدر الإسلام، في عصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإن لم يكن يسمى حينئذ علما. وذلك هو الشأن في سائر العلوم الإسلامية (تقريبا) نشأت حقائقها في صدر الإسلام، وتكونت أغلفتها فيما بعد.
ومعلوم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو أول من مارس التفسير وعلمه للناس، إذ