اللغوية. أما عند ما تصبح «التفسير» إطلاقا على علم معين كما ذكرنا، فهي تتسع حينئذ لمعنى التفسير والتأويل، إذ الكل يدخل تحت مدلول هذا العلم.
وتبقى العلاقة حينئذ بين الكلمتين، العموم والخصوص المطلق، فكل تأويل تفسير وليس كل تفسير تأويلا.
ولعلك تسأل فتقول:
فإذا كان القرآن كتابا مبينا، وقد نزل إلى الناس ليقرءوه فيفهموه، فينبغي أن يكون غنيا عن التفسير والمفسرين؛ وينبغي أن يكون مفهوما بذاته لأن الله تعالى إنما يخاطب عباده بما يفهمونه، ففيم احتيج إلى تفسيره؟
فالجواب: الحاجة إلى تفسير القرآن ليست بسبب أنه كتاب مبهم يحتاج إلى مفتاح له ومترجم عنه وإنما الحاجة إليه من وجوه أخرى نجملها فيما يلي:
الوجه الأول: أن القرآن جار على أسلوب يصلح أن يخاطب به طبقات الناس كلهم على اختلاف مداركهم وثقافاتهم (كما سنشرح ذلك فيما بعد) فهو يعطي كلّا، من معانيه وأحكامه قدر طاقته وما يتسع له فكره؛ فإذا أراد القارئ أن يستشف منه ما وراء ذلك وينتهي في سبر أغواره إلى أكثر مما فهمه منه بطبيعته وفكره، فإن سبيله إلى ذلك الرجوع إلى فهم من هم أوسع منه علما وأغزر ثقافة وفهما ليبصروه بما وراء الذي انتهى عنده علمه من دلائله ومعانيه.
فهذا وجه من وجوه الحاجة إلى التفسير.
الوجه الثاني: أن القرآن- كما قال الزركشي- كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه، ولا إمكان للوصول إليه، بخلاف الأمثال والأشعار، فإن الإنسان يمكن علمه بمراد المتكلم بأن يسمع منه أو ممّن سمع منه (١). ومن هنا تجد القرآن محاطا بسور من الرهبة والجلال يمنع قارئه أن يسرع فيقتحم إليه بالشرح والتفسير كما يشرح الكتب الأخرى. وإنما الشأن أن يتوسط إلى ذلك بما قد أثر من تفسير النبي صلّى الله عليه وسلّم له أو أثر من تفسيرات الصحابة رضوان الله عليهم، فهو الذي أوحي إليه القرآن مباشرة، وهو الذي أمره الله عزّ وجلّ بأن يبيّن