الحديث عن إعجاز القرآن من أهم البحوث المتعلقة بالقرآن وآدابه وعلومه، وهو لبّها وجوهرها وأساسها وعمدتها.
ومع ذلك، فإنني أعلم أن كثيرا ممّن سيقرأ ما أكتبه في هذا البحث، لا يملكون إلا أن يحفظوا ما أقوله بعقولهم، دون أن يتذوقوه بقلوبهم، ويستيقنوه بأفكارهم.
والسبب أنهم عاشوا غرباء عن القرآن، لم تتهيأ لهم أسباب قراءته ولم يتوفروا على شيء من دراسته؛ إن في هؤلاء- ويا للأسف- من لم يسمع بالقرآن إلا في أحاديث الناس وما تقوله الكتب، ومن لم ينصت إلى شيء من آياته إلا في أمسيات التعازي أو عند افتتاح حفل أو لدى مصادفة عند فتح إذاعة.
وإنما يفقه الحديث عن إعجاز القرآن ويتذوقه، من درس القرآن قبل ذلك، فأتقن قراءته، تماما كما كان يتقنها أطفال «الكتّاب» في بلادنا قبل اليوم.
فهو الذي يكون قد تصور حقيقة القرآن، وتهيأ لفهم الحديث عن إعجازه.
أما من لم يتوفر على تصوره إلا في أصوات «المقرئين» وفي أمسيات التعازي، ومن إذا أراد أن يقرأ بضع آيات منه تلعثم وترطّن وثقلت كلماتها العربية على لسانه، فهيهات أن يفقه شيئا عن إعجاز القرآن ومظاهره ودلائله، إلا أن يحفظ ذلك حفظا ويبصمه بصما. ذلك لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فمن لم يتصور الشيء على حقيقته عجز عن إسناد أي حكم إليه.