مرة أخرى أكرّر ما قلته من أن القرآن إنما جاء ليتدبره الناس، فيصبحوا عبيدا لله بالطوع والاختيار، كما خلقهم عبيدا له بالفطرة والإجبار.
ومن أجل هذا، كان لا بدّ أن ينهج بالناس نهجا تربويا في كل ما يأتيهم به من أخبار وآيات وعظات وأحكام. ومن أجل هذا كان هذا الكتاب أعظم مصدر للتربية إلى جانب أنه أعظم كتاب يقدّم للإنسان حقائق الكون كله. فما هو منهجه التربوي، وما هو أسلوبه في ذلك! ..
إن الإجابة على هذا السؤال، تستدعي أن يفرد لذلك كتاب خاص، لا فصل مستقل من كتاب ... ولكنّا، وفاء بالمنهج الذي التزمناه، نسرع فنمر على بعض المظاهر التربوية في القرآن، مكتفين بدراسة وجيزة لها.
المظهر الأول: أنه صبغ كل المواضيع التي طرقها وعالجها، بصبغة الهدي والموعظة والإرشاد. فلم ينسّق هذه المواضيع والأبحاث على أساس وحدات منفصلة ومستقلة عن بعضها، كما هو شأن عامّة الكتب والمؤلفات المعهودة، إذ هي بذلك لا تؤدي عملها التربوي المقصود في نفس الإنسان، وإنما بثّ في جميعها شرايين التوجيه والنصح والهداية، فصيّرها بذلك وحدة كاملة متضامّة تعمل عملا واحدا وتسير بالإنسان نحو غاية لا تختلف. ولا داعي إلى أن نأتي لك بالأمثلة على ذلك، فقد ذكرنا هذا البحث فيما مضى عند كلامنا عن خصائص الأسلوب القرآني وعن القصة في القرآن.
المظهر الثاني: ما ذكرناه من التدرّج في الأحكام وكيفية أخذ الناس بها،