الطائفة الأخرى، للأسباب التربوية التي ذكرناها فيما مضى. فناسب أن يردف الحديث عن المؤمنين ودعاء الملائكة لهم، بالحديث عن الكافرين وما يقولون ويقال لهم يوم القيامة، وبعد أن تعرض الآيات لهذه الصورة من حال الكافرين يوم القيامة يتناول البيان القرآني وصف يوم القيامة بصورة عامة ومخيفة يتضاءل أمر الكافرين وشأنهم من خلال هولها. ونجد أنه أدخل ضمن هذا البيان آيات يتجه فيها الخطاب إلى الناس بالموعظة والتذكير وإعداد العدّة لهذا اليوم قبل فوات الأوان، وذلك حسب الطريقة القرآنية المتبعة من إقحام آيات الوعظ والإرشاد والتوجيه خلال الموضوعات والأبحاث الأخرى لأسباب ذكرناها فيما سبق.
[شرح الآيات:]
* تصف الآية الأولى، بأسلوب فريد، مدى كراهية الله للكافرين يوم القيامة، فتجعل المقياس الموضّح لذلك مدى كراهية الكافرين لأنفسهم إذ أودت بهم إلى هذا المصير الهائل الأليم، وإنها لكراهية شديدة إذ ذاك. إن مقت الله لهم في ذلك اليوم أكبر وأشدّ من مقتهم الشديد لأنفسهم ومن مقت بعضهم لبعض. ولئن كان سبب مقتهم أنفسهم أنها أودت بهم إلى هذا المصير، فإن سبب مقت الله لهم أنهم طالما دعوا في دنياهم إلى الإيمان وظلوا يجحدون ويكفرون. فهذا معنى قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ. أي لمقت الله إياكم اليوم أشدّ من مقتكم أنفسكم، وإِذْ تُدْعَوْنَ .. علة لمقت الله عزّ وجلّ. وأنت خبير أن مقت الله إياهم ليس خاصّا بذلك اليوم بل هو موجود في الدنيا أيضا، ولكن لما ظهر أثره يوم القيامة أسند إلى ذلك اليوم. على أنه يجوز عدم تخصيص المقت إياهم بذلك اليوم
وحده، فتكون الآية بيانا لما استحقوه من المقت منذ أن كفروا في دار الدنيا.
* وتصف الآية الثانية مدى ذلّهم وضراعتهم في ذلك الموقف حيث يقولون: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا. أي أمتنا إماتتين اثنتين وأحييتنا إحياءتين اثنتين، والإماتتان هما الإماتة السابقة على الوجود في