للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان مسيلمة من فصحاء العرب، وكان إذا تكلم على سجيته جاء بكلام جيد، لا يوزن بشيء من السخف الذي انحطّ إليه عند ما حاول تقليد القرآن ومعارضته.

ومنهم آخرون، جاءوا مع فترات متقطعة من التاريخ، توفر لديهم حبّ المغامرة، وآنسوا في ملكاتهم القدرة على معارضة القرآن. ولكنهم حذروا الفضيحة والسخرية- على ما يبدو- وخافوا أن ينتهي أمرهم إلى مثل ما انتهى إليه أمر مسيلمة. فأخذوا يعارضون بعضا من سور القرآن على تكتم وفي نجوة من الناس، ثم إنهم لما عادوا إليه بالنظر والتأمل، فوجدوه غثاء لا قيمة له، وكلاما لا طعم فيه رأوا أن يخرجوا به على الناس بعد أن يلصقوه بمن خطر في بالهم من مشاهير الأدباء والكاتبين.

من هذا القبيل ما نسب إلى ابن المقفع من أنه اشتغل بمعارضة القرآن مدة ثم أقصر عن ذلك وتركه. وأغلب الظن أن الأمر إنما ألصق به إلصاقا على النحو الذي ذكرت.

ويقول الرافعي رحمه الله، معللا اختيار هؤلاء المجهولين لابن المقفع دون غيره: «وإنما نسبت المعارضة لابن المقفع دون غيره من بلغاء الناس، لأن فتنة الفرق الملحدة إنما كانت من بعده وكان البلغاء كافة لا يمترون في إعجاز القرآن وإن اختلفوا في وجه إعجازه، ثم كان ابن المقفع متهما عند الناس في دينه، فدفع بعض ذلك إلى بعض وتهيأت النسبة من الجملة» (١).

ومن هذا القبيل أيضا كلمات نسبت إلى أبي العلاء المعري، قيل إنه عارض بها القرآن. ونسبوا إليه من ذلك فيما نسبوا قوله:

(أقسم بخالق الخيل، والريح الهابّة بليل، إن الكافر لطويل الويل، وإن العمر لمكفوف الذيل، تعدّ مدارج السيل، وطالع التوبة من قبيل، تنج وما إخالك بناج).


(١) تاريخ آداب العرب لمصطفى صادق الرافعي ٢/ ١٨٣.

<<  <   >  >>