للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتستعمل لطائفة من المعاني المتغايرة وإنما القاسم المشترك بينهما علاقات سطحية تصل ما بينها. فأنت لا تملك من اللغة إلا ما يعبّر عن هذه المعاني السطحية القريبة، بحيث إذا أردت الغوص على دقائق المعاني المتشعبة تخلفت عنك طاقة التعبير وبقيت مع مشاعرك الصامتة (١).

ثانيهما: أننا نقف من اللغة العربية أمام بحر عظيم من الكلمات والألفاظ- على ما فيها من القصور الذي ذكرناه-. ومعظم هذه الألفاظ مما يسمى بالمترادف. ومهما كان الكاتب أو المتكلم بليغا، ومهما كان يحفظ في ذهنه من متن اللغة وألفاظها ومترادفاتها، فلا يمكن أن تنتصب هذه المترادفات جميعها مكشوفة واضحة أمام خياله، كما تنتصب مضارب الأحرف من الآلة الكاتبة أمام ضاربها، لكي يلتقط من مجموعها ما هو أقرب إلى المعنى الذي يبغيه والشعور الذي يجول في صدره وإنما هو- عند التعبير- إنما يلقي حبال تفكيره إلى هذا اليم المتلاطم من الكلمات، ليلتقط منه ما قد يتسارع إليه ويسهل على لسانه. وفي اللغة من المترادفات الكثيرة ما ينجده لغرضه ويقوم بعضه مقام بعض في التعبير العام عن مقصوده.

بيد أن هذه الألفاظ إنما تعدّ مترادفة، إذا ما أريدت منها الدلالة الإجمالية على المعنى، وهي التي يقتنع بها العامة من المتكلمين، وهم الذين لا يطمعون في أكثر من إيصال خلاصة إحساساتهم وأفكارهم إلى الآخرين.

أما عند من يسبر أغوار هذه الكلمات ويستخرج ما يمتاز به كلّ منها من الخصائص والفروق، فهي ليست من المترادفات في شيء. بل لكلّ منها دلالته الخاصة وإشارته المتميزة وإيحاؤه الذي لا يشترك فيه غيره، وتصويره الذي ينفرد به عن سائر نظائره.

فقد تحسب مثلا أن كلّا من مضى، وذهب، وانطلق، يؤدي معنى


(١) انظر ما قاله السيوطي في المزهر حول هذا المعنى: ١/ ١٦٤ ط الممينية.

<<  <   >  >>