سبيلا. ذلك لأن الأسلوب ليس طريقة معينة في صوغ العبارة فقط، بل هو قبل ذلك مرآة لنفسية صاحب الأسلوب. فلئن استطاع الكاتب أن يقلّد الآخر في صوغ العبارات، فهيهات أن يستطيع تقليده في إبراز نفسية كنفسيته. فمن هنا يأتي العجز عن أن يتقمص أي كاتب أسلوب غيره.
وليزداد الأمر وضوحا لك، افرض أن العقاد رحمه الله أحبّ أن يقلّد- وهو الكاتب القدير- أسلوب المازني رحمه الله في مرحه ودعابته، أفيستطيع أن يفعل ذلك بنجاح؟ من البداهة بمكان أنه لا يقدر لأن ما طبع عليه العقاد من الجدّ والغوص إلى أعماق المعاني، يحول دون إمكان ظهوره بمظهر إنسان مرح يتناول الأحداث والمعاني من جوانبها السطحية المضيئة ... ولو أن المازني أراد هو الآخر أن يقلّد أسلوب العقاد. لوقع في براثن العجز ذاته، لأنه لا يستطيع أن يتجرد عن طبعه ويرتدي طبعا آخر لم يفطر عليه ...
فإذا اتضح لنا أن الفوارق النفسية والطبيعية تحول دون إمكان تقليد كلّ منّا للآخر في أسلوب الكتابة والقول، على الرغم من وجود الإنسانية العامّة قاسما مشتركا بين الجميع، فأحرى- في باب البداهة والوضوح- أن لا يستطيع إنسان من الناس أيّا كان، أن يتجرد عن بشريته وطبيعته، ثم يجعل من نفسه إلها يتصف بكل ما لا بدّ أن يتّصف به الإله من الصفات الربانية المضادة للطبيعة البشرية، وينطق بكلام تبرز فيه هذه الألوهية بكل ما فيها من خصائص وصفات، وكل ما تمتاز به من تجرد عن مظاهر البشرية والضعف الإنساني.
ولكي نرى تطبيق هذه الحقيقة على كتاب الله تعالى، يجب أن نلاحظ أن الآيات القرآنية، تنقسم إلى طائفتين: أما طائفة منها فيتحدث فيها الله عزّ وجلّ على ألسنة أنبياء أو أشخاص آخرين، وذلك في نطاق القصص أو الإخبار عن أقوالهم. ولا كلام لنا في هذا الصدد عن هذه الطائفة من الآيات.
الطائفة الثانية آيات ذاتية، أي يتكلم فيها الله عزّ وجلّ عن ذاته آمرا أو ناهيا أو مخبرا، فإذا تأملت في هذه الآيات، رأيتها تتسم بجلال الربوبية وصفات الألوهية، ولم تجد فيها أي معنى من المعاني البشرية والصفات