للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثال، وذلك على غرار الاستعارة وكيفية دلالتها على المعنى الأصلي المقصود.

ولا ريب أن سوق المثال بهذا الأسلوب يأتي أبلغ وألصق بالمعنى المراد، إذا لم يكن في سياق الكلام ما يدعو إلى التصريح به.

فمن هذا القبيل قوله عزّ وجلّ: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ، هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ (١) فقد ضرب الله مثال البحرين للمؤمن والكافر، والحديث عن المؤمن والكافر مطوي في تضاعيف المثال، يدلّ عليه السياق.

ومنه أيضا قوله عزّ وجلّ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ، هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا (٢) فهو مثال للفرق بين من لم يتخذ مع الله شريكا فهو لا يبغي الخير ولا يتقي الضرّ إلّا من قبله، ومن ثم فهو لا يسعى لإرضاء غيره، ومن اتخذ مع الله شركاء له فقلبه أوزاع بينهم، وهم فيما بينهم متشاكسون متنافسون على مكاسب الألوهية ومقتضياتها، فهو لا يدري بأيّهم يربط قلبه ولأيّهم يعطي ولاءه! ... ولكن هذا المعنى المقصود مطوي في المثال الذي ضربه الله تعالى، وهو مثال رجلين أحدهما يتعلق به شركاء متشاكسون متنافسون كلّ يدّعي انفراده بالسلطان الكامل عليه، والآخر موصول الولاء بشخص واحد فهو سلّم له ومسئول تجاهه.

ومنه أيضا قوله عزّ وجلّ: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (الأعراف:

٥٨). وإنما هو مثال للقلوب، فقلب سليم يقبل الموعظة والذكرى، وقلب فاسق قاس ينبو عن ذلك.

هذه أبرز خصائص الأمثال في كتاب الله تعالى.

ولنعرض الآن نماذج مختلفة لهذه الأمثلة، نتلمس من خلالها القيمة


(١) فاطر: ١٣.
(٢) الزمر: ٢٩.

<<  <   >  >>