للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقول موسى إنه وحده ضعيف عن تحمّل هذه المهمة الشاقة، فليكن أخوه هارون معينا له ومساعدا في ذلك. فيجيبه الله إلى ذلك ويذكره ممتنّا بنعمه التي أسبغها عليه منذ ولادته إلى اليوم، وهكذا تأتي المناسبة وتعود القصة من أولها بهذا الشكل:

قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى. وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى، إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى. أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي، إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ، فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً، فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (١).

ولعلّه لا يخفى عليك أن هذا الأسلوب في عرض القصة يعتبر من أحدث الأساليب الفنية في إخراج الروايات والقصص كتابة وتمثيلا.

غير أن هذا الأسلوب لا يعتبر الطريقة المفضلة دائما، فقد يكون العمل الفني بالنسبة لبعض القصص يحتاج إلى طريقة أخرى في الاستهلال والعرض.

فمن ذلك أن ينتزع أهم مظاهر العبرة من القصة، فتصاغ بشكل خلاصة لها، ثم يوضع تمهيدا ومدخلا إليها. وذلك كالطريقة التي ابتدأت بها قصة أهل الكهف. فقد مهّد لها أولا بهذه الخلاصة عنها:

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً.

ثم بدأ يعرض تفصيلها قائلا: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ... (٢) الآيات.


(١) طه: ٣٦ - ٤.
(٢) الكهف: ٩ - ١٣.

<<  <   >  >>