نوح بشأن قومه وأمره إياه بأن ينصرف إلى إنشاء سفينة لينجو بها مع القلة من أصحابه المؤمنين فإن قومه مقدمون على هلاك بطوفان. ثم يسدل الستار على هذا المشهد
ليبرز من ورائه مشهد آخر تبصر فيه نوحا عليه السلام وهو منهمك في صنع سفينة. ولا ريب أن بين المشهدين أحداثا طوتها القصة وهي عزم نوح على القيام بهذا الأمر، واستحضار المواد والوسائل لذلك؛ ولكنها أحداث جزئية يستقل بها الخيال فلا ينبغي أن يفسد بذكرها عرض القصة.
وانظر مثلا إلى قصة موسى وفرعون في سورة طه، حينما يأمر الله موسى عليه الصلاة والسلام، وهو واقف في المكان الذي آنس منه النار ليلا، بأن يذهب إلى فرعون فيبلغه أمر الله عزّ وجلّ: قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى. قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى، قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (١).
فأنت في أول الآيات، أمام مناجاة بين موسى وربه جلّ جلاله، يأمره الله فيها كما ترى بالذهاب مع أخيه هارون إلى فرعون لتذكيره وتبليغه أمر الله عزّ وجلّ، ويطمئنهما بأنه لن يصيبهما منه أي مكروه، ثم ينطوي هذا المشهد.
ويبرز عقبه تماما مشهد آخر تجد فيه كلّا من موسى وفرعون وجها لوجه في مناقشة حول حقيقة الله عزّ وجلّ ودلائل وجوده؛ وهو المشهد الذي يبدأ بقوله جلّ جلاله: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى.
أمّا ما بين هذين المشهدين، من ذهاب موسى إلى مصر ووسائل ذلك ثم طريقة التوصل إلى فرعون، ثم عرض الدعوة إلى الإسلام عليه، فهو شيء معلوم يستقل بتصويره الحسّ والخيال، وليس من الدقة الفنية في شيء الاهتمام بعرض ذلك وسرده على السامع أو الناظر.
وحسبنا هذا القدر من الحديث عن الخصائص الفنية للقصة في كتاب الله