خمسة عشر يوما، وأحزن ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم جاءه جبريل بسورة الكهف، وفيها عتاب له على حزنه وفيها يقول الله عزّ وجلّ: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وفيها قصّ الله خبر أصحاب الكهف، والرجل الطوّاف وهو ذو القرنين، وأنزل معها قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (١).
فهذا الخبر يدلك على أن ما تضمنه القرآن من قصص الأمم الغابرة، حقائق تاريخية تعتمد على وثائق ومستندات لا تقل أهمية عن تلك المستندات التي يعتمدها الكافرون بنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم وأن المشركين لم يكونوا على علم بها.
فإن كنت تجحد بكل بحث تاريخي يعود إلى عصر الجاهلية وصدر الإسلام وتكذّب كل مرجع أو مستند فيه فلك شأنك ولنقاش ذلك مجال آخر، أما إن كنت تجحد بالقرآن وحده، من حيث تعتمد على روايات الشعر الجاهلي وفحواه واستنتاجاته، فإن من العبث العجيب والتناقض المضحك أن تعتمد على دلائل استنتاجية لا تقوم إلا على محض الخيال والوهم، ثم تلوي الرأس متشككا فيما يحدّثك عنه القرآن ويخبرك به.
ولا ينبغي أن تلتبس عليك حقيقة القصة القرآنية بالأمثلة التي يضربها على سبيل التقريب والتشبيه. فلكلّ منهما أسلوبه المتميز، وليس في الناس من يجهل الفرق بين مثل يضرب به، وقصة تروى وتنقل. نقول هذا ونحن نعلم أن في الناس من يتجاهلون الفرق ويغمضون أعينهم عمدا، ثم يذهبون يقررون أن القصة في القرآن ليست أكثر من أمثلة تضرب.
وبدهي أن أيّ عاقل لا يمكن أن يصل به الغباء واللّبس إلى درجة أن يتوهم أن قصة مريم وعيسى وهود ونوح وقصة موسى وفرعون، وأصحاب الكهف كلّ ذلك أمثلة تضرب.
والخلاصة، أن من آمن بأن القرآن وحي من عند الله، علم بذلك أن
(١) انظر سيرة ابن هشام: ١/ ٢٩٥، وتفسير ابن كثير وابن جرير الطبري في أول سورة الكهف.