للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونكاله يصفهم بأسوإ أعمالهم وأحطّ ما انتهوا إليه من الخصال، حتى إذا تأملت في حالهم رجعت إلى نفسك فقلت: أحمد الله على أني لست منهم ولم أبلغ مبلغهم في السوء والانحراف. وحينما يصف المؤمنين الذين استحقوا ثواب الله ورضوانه، يصفهم أيضا باسمى خصالهم وأفضل أعمالهم حتى إذا تأملت في حالهم، عدت إلى نفسك تقول في تألم وأسف: أين عملي من أعمالهم وأين تقصيري من سموّ درجاتهم. وبذلك تجد ذاتك في حالة وسطى بين الرجاء في عفو الله والخوف من عذابه.

ولنضرب مثلا لتجلية هذا المظهر التربوي في كتاب الله عزّ وجلّ. انظر إلى هذه الآيات وهي تصف الأسباب التي أدّت إلى شقاء صنف من الناس يوم القيامة: يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ، ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (١) فأنت إذا سمعت هذه الأوصاف حمدت الله على أنك لست منهم مهما كنت مخطئا ومقصرا.

ثم انظر إلى هذه الآيات الأخرى وهي تصف الأسباب التي بها يسعد الناس في حياة خالدة يوم القيامة: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً ... (٢) أو إلى هذه الآيات التي يقول فيها الله عزّ وجلّ: إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣) فأنت إذا تأملت هذه الأوصاف، تضاءلت نفسك أمامك، وتبدّت لك منها مظاهر التخلّف والتقصير.


(١) المدثر: ١ - ٤٦.
(٢) الفرقان: ٦٣ و ٦٤ و ٦٥.
(٣) السجدة: ١٥ و ١٦ و ١٧.

<<  <   >  >>