وقس على هذه الأمثلة كل ما في القرآن من آيات الوعد والوعيد ووصف الجنة والنار، لا بدّ أن تجد الحديث عن كلّ منهما معادلا ومقارنا للحديث عن الآخر، ولا يمكن أن تعثر على أيّ شذوذ في ذلك.
وهذه الظاهرة، من أدق مظاهر المنهج التربوي وأهمها في كتاب الله عزّ وجلّ إذ هي التي تضع الإنسان في مستوى العبودية لله عزّ وجلّ، حيث تشدّه إليه رغبة ورهبة بآن واحد؛ وهي النهاية التي ينبغي أن ينتهي إليها العبد بالنسبة لربه جلّ جلاله. وقد نبّه إليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، خلال وصيته العظيمة لعمر بن الخطاب أثناء مرض موته.
ولعلّ من المناسب أن نختم هذا الفصل بمقاطع منها:
... ألم تر يا عمر أنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباعهم الحق وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه غدا إلا حق أن يكون ثقيلا، ألم تر يا عمر إنما خفّت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه غدا إلا باطل أن يكون خفيفا.
ألم تر يا عمر إنما نزلت آية الرخاء مع آية الشدة، ونزلت آية الشدة مع آية الرخاء، ليكون المؤمن راغبا راهبا لا يرغب رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له، ولا يرهب رهبة يلقي فيها بيديه. ألم تر يا عمر إنما ذكر الله أهل النار بأسوإ أعمالهم، فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو أن لا أكون منهم، وإنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم، لأنه تجاوز لهم عمّا كان من سيّئ، فإذا ذكرتهم قلت أين عملي من أعمالهم. فإن حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحبّ إليك من الموت، وهو آتيك. وإن ضيعت وصيتي فلا يكن غائب أبغض إليك من الموت ولست بمعجز الله) (١).
(١) البيان والتبيين للحافظ ٢/ ٤٥ هذا وقد أفردنا الحديث عن المنهج التربوي في القرآن برسالة مستقلة أدرجناها في سلسلة أبحاث في القمة، وعنوانها: (منهج تربوى فريد في القرآن).