إلى اللغات المختلفة، وتحتجّ لذلك بالضرورة الداعية إلى اطّلاع الأمم المختلفة على حقائق القرآن وأحكامه ومحتوياته. وهي دعوة بدأت تلحّ وتشتدّ وتجادل عن نفسها منذ أوائل عهد الاحتلال البريطاني لمصر (١) بزعم حاجة العالم الإصلاحية إلى ذلك! فإن كان المقصود، اطلاع العالم على حقيقة القرآن وعظمته. فإن القرآن ليس قرآنا إلا من حيث أنه كتاب عربي مبين، وقد علمت في أول هذا الكتاب أن القرآن هو: اللفظ المنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واللفظ الأعجمي ليس هو الذي أنزل، فهو ليس بقرآن البتة. وأما عظمته وروعته، فإن شيئا من ذلك لا يبقى أو يظهر عند تقديمه مترجما إلى الناس، بل يظهر منه عند ذلك، معان سقيمة مشوهة وتعابير غريبة غير مفهومة. فلا القرآنية تبقى لدى الترجمة ولا عظمة القرآن تتجلى وتظهر بها.
وإن كان المقصود، أن تطّلع الأمم المختلفة على ما تضمنه القرآن من مبادئ وشرعة وأحكام، فإن ذلك يمكن أن يتم بأجلى مظهر وبأيسر طريق، إذا ما فسّر القرآن تفسيرا وافيا واضحا باللغة المطلوبة فالتفسير هو الذي يفي بهذا الغرض لا الترجمة المزعومة.
وهكذا، يتجلى للمتأمل ما تنطوي عليه هذا الدعوة العجيبة من الدخيلة والريب. وحسبك دليلا على ذلك أن تعلم أن الحاجة إلى ما يسمى ب (ترجمة القرآن) لم تظهر عند أيّ
فئة من الناس ولم يدع إليها أيّ مفكّر أو باحث، خلال القرون المنصرمة كلها إلى هذا القرن الذي نحن فيه، مع أن الأسباب التي يتذرع بها اليوم كانت موجودة بأجلى المظاهر بالأمس.
(١) يجدر بالقارئ أن يرجع إلى مجلة الأزهر «نور الإسلام» السنة الثامنة. العدد الثاني وما بعده، ففيها إثارة لموضوع ترجمة القرآن، أثاره الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر إذ ذاك، وناقشه في ذلك جمهور كبير من الكتّاب والباحثين. ومعلوم أن مصطفى المراغي نصّب شيخا للأزهر بعد «الإصلاح» الذي أدخل عليه بتخطيط من اللورد كرومر إذ ذاك. راجع كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد محمد حسين، ومقدمة كتاب تجربة التربية الإسلامية في ميزان البحث لمؤلف هذا الكتاب.