للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه حقيقة يوم التلاق ... التلاقي بمعناه الشامل العام وبكل ما في الكلمة من معنى، وإنه لتلاق عجيب ورهيب!!.

ومع الحديث عن آخر هذه الصفات يعود السياق، كما ترى إلى أول البحث؛ وهو الحديث عن يوم القيامة وحال الكافرين فيه؛ فتصف الآيات التالية جوانب من مظاهر يوم التلاق:

* يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ، لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ: ثلاث صفات من أهم صفات يوم الحشر، تصورها هذه الجمل الثلاث تصويرا يسيطر على المشاعر ويأخذ بالقلب.

(يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ): بدل من يوم التلاق، أي لينذروهم ذلك اليوم. يوم هم خارجون من قبورهم إلى ظاهر أرض مستوية لا يسترهم فيها شيء من جبل أو بناء أو واد أو أكمة. إذ هي كما قال عزّ وجلّ: (قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً).

(لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ): استئناف فيه مزيد من التقرير لبروزهم ووضوحهم في ذلك الموقف، وفيه مزيد من نسخ ذلك الباطل الذي كان عالقا برءوس الكافرين منهم في الدنيا من أن الأرض إذا التقمتهم وأصبحوا ترابا فهيهات أن يحشروا مرة أخرى، فها هم اليوم بارزون ظاهرون يموجون تحت سلطان الله وفي قبضته وأمام نظره.

(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ): صفة ثالثة جاءت بهذا الأسلوب التصويري المثير. فمن أجل ذلك حذف لفظ القول من جملتي السؤال والجواب معا، لأن المقصود ليس إخبارا عن كلام سيحصل، وإنما المقصود تصوير ذلك المشهد الرهيب في أخصّ مظاهره وأحواله.

فالسؤال منبعث من وحي المشهد: لقد برز الناس جميعا من قبورهم إلى هذا الملتقى، ولقد تقطعت أسباب دنياهم وعلاقات ما بينهم وانسلخت عنهم مظاهر الملك والجاه والسلطان، وجاءوا لا يسوقون معهم إلا جسومهم العارية.

فيرتسم السؤال من وحي الحالة وهول المشهد ومن ذكرى الغرور الدنيوي الذي

<<  <   >  >>