والرياح تطلق على ما يأتي بالخير من المطر وغيره، فإذا قلت: ريح فهي ما يحمل في طواياه الشر على اختلاف درجاته وأشكاله ولقد كان من شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كلما رأى هبوب الهواء أن يقول: اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا.
ويعيد البيان الإلهي نفس السؤال السابق: أإله مع الله؟ ويلتفت عن الخطاب لهم مرة أخرى، ليقرر تنزيه الذات الإلهية عن لغو الجاحدين وضلالهم قائلا: تعالى الله عمّا يشركون:
نوع آخر من الاستدلال والتنبيه، تنطوي فيه قصة هذه الخليقة في بدئها ومستقرها، وفيه- مع اختتام ألوان الحجاج والنقاش- إلماح بالإنذار والتهديد وتأكيد ليوم البعث والحساب.
والسؤال هنا عن ذاك الذي بدأ الخلق من العدم، والذي يعيده مرة أخرى إلى الوجود.
فأما الشطر الأول من السؤال فواضح، والشأن فيه أن يكون معلوما لكل عاقل أنه الله عزّ وجلّ، أما الشطر الثاني، فيردّ عليه- في الظاهر- أن الجاحدين لا يؤمنون بالإعادة فكيف يتجه السؤال إليهم عن ذلك؟ غير أن التعبير القرآني يريد أن يوضح للأذهان المتأملة أن الإيمان بالخلق الأول يستلزم الإيمان بالإعادة، ذلك لأن الإعادة أهون من البدء فيما يقرره العقل، ولأن قصة هذه الحياة الدنيا تظل ناقصة، وتظل- بأحداثها ووقائعها- فصلا واحدا من قصة طويلة. إذ في هذه الحياة طغاة لم يجدوا القصاص العادل في حقهم، وفيها مستضعفون مظلومون لم يصلوا إلى ما ينصفهم من ظالميهم. ولا ريب أن الذي أبدع هذه الخليقة وتركها تتصرف كما تشاء في حرية وإرادة، سوف يعيدها إلى حياة أخرى يسود فيها الحق ويستقر فيها العدل.
فمن أجل ذلك أظهرت الآية الرابطة المتمكنة بين الخلق الأول والإعادة الثانية.