للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ذلك عامّة المؤرخين والباحثين. قال الله عزّ وجلّ: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ.

إلّا أنه كان يعهد بكتابة ما يتنزل عليه من القرآن إلى أشخاص من الصحابة بأعيانهم، كان يطلق عليهم اسم كتّاب الوحي، وأشهرهم الخلفاء الأربعة، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، والزبير بن العوّام، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن رواحة (١).

وقد كانوا يكتبون القرآن فيما تيسر لهم من العظام والسعف وألواح الحجارة الرقيقة. وقد كانوا يضعون هذا الذي يكتبونه في بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم يكتبون منه لأنفسهم صورا أخرى يحفظونها لديهم (٢) فعمل كتاب الوحي في عهده صلّى الله عليه وسلّم لم يكن جمعا لكتاب الله تعالى بين دفتين وإنما كان مجرد تسجيل كتابي له على متفرقات العظام والحجارة والأوراق وغيرها، مع ترتيب سوره وآياته حسب ما يوحى به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ولقد كان في الصحابة من يتتبع آيات القرآن وترتيبها فيحفظها عن ظهر قلب، حتى حفظوا بذلك القرآن كله، فمن مشاهيرهم: عبد الله بن مسعود، وسالم بن معقل، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت.

وكان سائر الصحابة يشتركون بحفظ مقادير كبيرة من القرآن، حسب ما يكون كتب منه لنفسه أو حسب ما يتيسر له. وظل الصحابة يعكفون على حفظ القرآن غيبا حتى ارتفعت نسبة الحفّاظ منهم إلى عدد لا يحصى، يدلك على ذلك ما يذكره الرواة من أن موقعة اليمامة التي وقعت في زمن أبي بكر رضي الله عنه قد قتل فيها سبعون صحابيا من حفظة القرآن، وروى القرطبي أنهم سبعمائة، وهي رواية ضعيفة ولا شك (٣)، إلا أنك تستطيع أن تفهم من ذلك نسبة الصحابة الذين يحفظون القرآن في صدورهم.


(١) انظر فتح الباري: ٩ - ١٨.
(٢) التحقيق أن كتّاب الوحي كانوا يضعون ما يكتبونه من القرآن في بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ذلك المحاسبي في كتاب «فهم السنن» وانظر البرهان للزركشي ١ - ٢٣٨ والإتقان للسيوطي ١ - ٥٨.
(٣) انظر تفسير القرطبي: ١ - ٥٠.

<<  <   >  >>