للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأي عمر قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتتبّع القرآن فاجمعه. فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن .. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم». فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما (١).

فالجديد الذي أمر به أبو بكر رضي الله عنه، هو جمع ما تفرق من الرقاع والعسب وغيرها، ثم استنساخها منها إلى صفحات مرتبة مجتمعات، تكون محفوظة في دار الخلافة ومرجعا للمسلمين في كيفية القراءة والأداء. ولم يكن عبارة عن مجرد جمع تلك القطع المتناثرة إلى بعضها بخيط، كما قد يتصور بعض الناس ويفهمه من كلمة «جمع القرآن» وقول أبي بكر لزيد «فتتبّع القرآن فاجمعه». وإنما كانت مهمة زيد التي وكلت إليه هي جمع هذه المتفرقات ثم الكتابة على منوالها من جديد.

يدلّ على ذلك ما رواه ابن أشتة في المصاحف عن الليث بن سعد قال:

أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد. وأكد ذلك الحارث المحاسبي في كتابه فهم السنن. ويؤكد ذلك ما رواه ابن أبي داود من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعد على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله، فاكتباه. قال ابن حجر في الفتح: ورجاله ثقات (٢).

وإذا وقفت على النهج الذي كان يسير عليه زيد رضي الله عنه في الاستيثاق من الآية عند كتابتها، أدركت مدى الدقة العظيمة التي امتدت مع المراحل التاريخية المختلفة لكتابة القرآن وجمعه. فقد كان لا يكتب من القرآن


(١) البخاري: ٦ - ٩٨.
(٢) انظر الإتقان: ١/ ٥٨ وفتح الباري: ٩/ ١١.

<<  <   >  >>