وهي وإن كانت كتابة جزئية لم تبلغ درجة التأليف بمعناه المألوف إلا أنها مهدت ذلك لأرباب الطبقة الثالثة الذين عكفوا على تصنيف كتب التفاسير.
(أما الطبقة الثالثة)، فقد قام علماؤها بتأليف تفاسير واسعة تجمع ما انتهى إليهم من أقوال الصحابة والتابعين (كتفسير سفيان بن عيينة (ت: ١٩٨) ووكيع بن الجراح (ت: ١٩٧) وشعبة بن الحجاج (ت: ١٦٠) وغيرهم؛ وهم كثير. ثم جاء في أعقابهم محمد بن جرير الطبري (ت: ٣١٠) فجمع أشتات هذه التفاسير وقرّب منها البعيد، وفعل مثله عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت: ٢٧١) وابن عطية وغيرهما. وكلهم كما يقول الزركشي متقن مأجور (١)، ولكن الذي وصل إلينا منها تفسير ابن جرير، وهو تفسير عظيم جمع فيه المأثور بالسند وميّز بين الصحيح منه وغيره، وأصبح مستندا هامّا لسائر المفسرين من بعده.
ولقد امتاز عمل هذه الطبقة من المفسرين بما يلي:
أولا- جمع ما انتهى إليهم من أقوال الصحابة والتابعين في تفسير آيات القرآن، في مؤلفات منسقة ينتظم فيها تفسير جميع آي القرآن بترتيبها المعروف، وبذلك تم
ظهور هذا الفن العظيم في مؤلفات ومصنفاته جامعة.
ثانيا- ضبط الرواية عن الصحابة. فقد بحثوا في حال التابعين الذين نقلوا إليهم أقوال الصحابة في القرآن، فاعتمدوا منهم من توفرت لديهم شروط الرواية وأمارات الثقة وأهملوا الآخرين، وذلك لما اندسّ في صفوفهم من الدخلاء المتسترين بلباس العلم والإسلام.
فمن عملهم في ذلك أنهم اعتمدوا طرقا معدودة في الرواية عن ابن عباس، أفضلها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي (ت: ١٤٣) واعتمد عليها البخاري في صحيحه، وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر في تفاسيرهم، وأهملوا طريقة محمد بن السائب الكلبي (ت: ١٤٦) عن ابن صالح