الهجرة، دون النظر إلى مكان النزول بالذات. والاعتبار على هذا للزمان وحده.
وهذا الاصطلاح الثالث هو أشهر وأصح ما قيل في هذا الموضوع.
وبناء على ذلك فإن كل ما نزل من القرآن من قبل هجرته صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة يسمى مكيّا سواء نزل في مكة أو في الطائف أو في أي جهة أخرى. وكل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني سواء نزل بالمدينة أو في الأسفار والغزوات أو في مكة في عام الفتح.
وقد تجد في القرآن سورا نزلت كلها من قبل الهجرة كسورة «ق» و «هود» و «يوسف». وقد تجد فيه سورا نزلت كلها بعد الهجرة كسورة «البقرة» و «آل عمران». وقد تجد فيه سورا كلها مكيّة إلا بضع آيات منها، نزلت بعد الهجرة كسورة الأنعام: كلها مكّي إلا ست آيات منها فهي مدنية نزلت بعد الهجرة، وقد تجد سورا كل آياتها مدنية
إلا بعض آيات منها فهي مكية كسورة الأنفال والتوبة.
ولعلك تسأل: فكيف تسنى للعلماء أن يعرفوا تفصيل هذا الأمر، وكيف أمكنهم أن يعلموا أن هذه الآية نزلت في مكة والأخرى بالمدينة، وأن هذه نزلت في الليل وتلك نزلت في النهار؟
والجواب أن سبيل معرفة ذلك إنما هي الرواية الصحيحة الصادقة، وهي السبيل ذاتها التي وقف بها العلماء على تفسير القرآن بالمأثور، كما مرّ بيانه. ومما سهّل للعلماء ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم عنوا بالقرآن عناية فائقة عجيبة، فكانوا يؤرخون كل آية بوقت نزولها ومكانها، وربما اتخذوا من الأماكن والجبال والمفاوز التي يعلمونها، أماكن ذكرى، بسبب آية أو آيات من القرآن قد نزلت فيها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (١).
روى البخاري بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت