للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَصَدَقَ أَيْضَاً وَاللهِ مَنْ قَالَ مُتَهَكِّمَاً:

قَامَتْ مُظَاهَرَةٌ في أَحَدِ المَيَادِينِ احْتِجَاجَاً عَلَى الْفَسَاد؛ فَحَضَرَتِ الشُّرْطَةُ في لَمْحِ الْبَصَرِ عَلَى غَيرِ المُعْتَاد، فَفَرَّ المُوَاطِنُون؛ كَيْ لاَ يُرْمَى بِهِمْ في السُّجُون، فَصَادَفُواْ قِرْدَاً يجْرِي بَينَ الحُشُود؛ فَاسْتَوْقَفُوهُ وَسَأَلَهُ أَحَدُ الجُنُود: لِمَ تجْرِي وَنحْنُ لاَ نَقْبِضُ عَلَى الْقُرُود؛ فَقَال: حَتىَّ يَتَأَكَّدُواْ أَنيِّ قِرْدٌ سَتَكُونُ قَدْ مَرَّتْ سَنَة، وَنَسِيتُ مَن أَنَا ٠٠!!

إِنَّ زَبَانِيَةَ جَهَنَّمَ أَوْ زُوَّارَ الفَجْر: الَّذِينَ تَسْتَعْمِلُهُمُ الحُكُومَةُ في هَذَا الأَمْر؛ يَظُنُّونَ أَنَّ الحُكُومَةَ اخْتَارَتْهُمْ لِشَجَاعَتِهِمْ وَبَسَالَتِهِمْ؛ بَيْنَمَا تَمَّ اخْتِيَارُهُمْ في الحَقِيقَةِ لِبَشَاعَتِهِمْ وَنَذَالَتِهِمْ، وَلأَنَّهُمْ فِئَة؛ نِسْبَةُ الضَّمِيرِ فِيهَا وَاحِدٌ في المِئَة، لاَ يَتَوَرَّعُونَ عَنْ ظُلْمِ الأَبْرِيَاء، وَسَبِّ الشُّرَفَاء، وَضَرْبِ الْعُلَمَاء، وَلأَنَّهُمْ وَجَدُواْ فِيهِمُ الطَّاعَةَ الْعَمْيَاء؛ فَكَثِيرَاً مَا يَعْتَدِي مِنهُمْ مَنْ لَيْسَ لَهُ قَلْب؛ بِالشَّتْمِ وَالسَّبِّ وَالضَّرْب؛ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ ذَنْب؛ لِيُثْبِتُواْ لِلشَّعْب؛ أَنَّ الأَمْنَ مُسْتَتِبّ ٠٠!!

القَيْدُ يَعَضُّ عَلَى القَدَمَين * وَسَجَائِرُ تُطْفَأُ في العَيْنَين

وَدَمٌ في الأَنْفِ وَفي الشَّفَتَين

وَرُبَّ أُمُورٍ يخْجِلُ الحُرَّ ذِكْرُهَا * يَضِيقُ بِهَا الصَّدْرُ الفَسِيحُ وَتُكْتَمُ

هَرَبَ أَحَدُ المَسَاجِينِ في زَحْمَةِ الزِّيَارَات، فَبَدَأَتْ حَالَةُ الطَّوَارِئِ في السِّجْنِ عَلَى أَشُدِّهَا، حَتىَّ إِنهُمْ بَعَثُواْ في طَلَبِ أُخْتِهِ وَأُمِّهِ وَأَخِيه، وَهَدَّدُواْ أَخَاهُ بِاغْتِصَابِ أُخْتِهِ إِنْ لَمْ يخْبِرْهُمْ بمَكَانِ أَخِيهِ الهَارِب، سَمِعَ بِذَلِكَ أَخُوه؛ فَقَرَّرَ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ رَحْمَةً بِأَهْلِه؛ فَمَاذَا كَانَ مِن إِدَارَةِ السِّجْن ٠٠؟

أَذَاقُوهُ أَلوَانَ العَذَاب، حَتىَّ إِذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّام؛ جَمَعُواْ كُلَّ المَسَاجِينِ في سَاحَةٍ وَاسِعَة، ثُمَّ أَخْرَجُوهُ عَارِيَ الجَسَدِ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّه، كَانَ جِسْمُهُ مُسْوَدَّاً مِنْ كَثرَةِ الضَّرْبِ وَالتَّعْذِيب، وَبَعْدَ يَوْمَينِ مَاتَ السَّجِينُ مِنْ شِدَّةِ مَا رَآهُ مِنَ التَّعْذِيب، فَوَضَعُواْ جُثَّتَهُ أَمَامَ أَعْينِ النَّاس، وَوَضَعُواْ بجُوَارِهَا زُجَاجَةَ سُمٍّ فَارِغَة، وَقَامُواْ بِالإِبْلاَغِ عَنِ انْتِحَارِه ٠٠!!

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:

{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ثمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ} {البرُوج/١٠}

عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال:

" مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَام؛ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ بِالشَّام، قَدْ أُقِيمُواْ في الشَّمْس؛ فَقَالَ مَا شَأْنُهُمْ ٠٠؟!

قَالُواْ: حُبِسُواْ في الجِزْيَة؛ فَقَالَ هِشَام: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول:

" إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ في الدُّنْيَا " ٠

وَلَمْ يَكْتَفِ هِشَامٌ بِإِنْكَارِ المُنْكَرِ بِاللِّسَانِ الفَصِيح؛ بَلْ يَقُولُ عُرْوَةُ في آخِرِ هَذَا الأَثَرِ الصَّحِيح:

" فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ؛ فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّواْ " ٠

[رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ بِرَقْم: ٢٦١٣ / عَبْد البَاقِي]

وَالأَنْبَاطُ هُمْ أُنَاسٌ مِنَ الْعَجَم ـ أَيْ مِن غَيرِ الْعَرَب ـ كَانُواْ يَأْتُونَ لِيَعْمَلُواْ بِالأُجْرَةِ في الزِّرَاعَةِ بِبِلاَدِ الإِسْلاَم، أَيَّامَ كَانَ الإِسْلاَمُ دُسْتُورَنَا، الَّذِي نَسُوسُ بِهِ أُمُورَنَا ٠

وَلَمْ تَكْتَفِ الحُكُومَةُ بِمَا سُقْنَاهُ مِنَ الْكَلاَم، بَلْ وَصَوَّرَتْنَا في المُسَلْسَلاَتِ وَالأَفْلاَم: أَنَّنَا إِرْهَابِيُّونَ وَمُتَطَرِّفُونَ وَأَئِمَّةٌ في الإِجْرَام، وَالرَّاقِصَةُ وَالعَاهِرَةُ مُوَاطِنَةٌ صَالحَةٌ تَعْمَلُ للهِ وَالوَطَنِ وَالإِسْلاَم، بَلْ وَأَشَدُّ مِنَّا حِرْصَا، وَالأَعْمَالُ في هَذَا أَكْثَرُ مِن أَنْ تُحْصَى ٠٠

سَمَّمُواْ عُقُولَ النَّاسِ هُنَا وَهُنَاك؛ حَتىَّ صَارَ المُوَاطِنُ البَسِيطُ يخَافُ مِنْ كُلِّ ذِي لحْيَةٍ وَسِوَاك ٠

أَمَّا إِنْ كَانَتْ بِنَا بَعْضُ العُيُوبِ فَنَحْنُ لَسْنَا مَلاَئِكَة، وَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يحْدُثَ لَنَا ذَلِكَا؛ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ لجِهَادِنَا هَذَا خَسَائِر، لاَ سِيَّمَا عِنْدَمَا نحْيى في مجْتَمَعٍ يُقَدِّسُ المَادِّيَّاتِ وَالمَظَاهِر، الدِّينُ فيهِ في وَادٍ، وَالنَّاسُ في وَادٍ آخَر ٠٠!!

بِقَلَم / يَاسِر الحَمَدَاني:

°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°*°

<<  <   >  >>