للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحدث ابن عبد الله بن هريرة الكاتب قال: قصد أبو عامر بن مظفر في خروجه من شاطبه إلى مواليه العامريين بعد مراسلة متقدمة فلما وصل ردوه خجلاً خائباً. فرغبت في أن تخرج إليه أخته بنت المظفر المقيمة فيهم فلما خرجت أودعها جوهراً نفيساً كان احتمله وودعها، وعاد على أثره والعبيد يطرده من كل ناحية إلى أن صار إلى البصدراني فكان منه ما كان؛ فلما هلك لم يزل عبد العزيز ابن عمه يخدع أخته عن الجوهر ويعدها بتزوجها إلى أن أخذه منها، وأخلف الوعد في عقد نكاحها فلم يكن في يدها إلا بسط لسانها في شتمه، وكان المؤيد لما آيس من أبي عامر بن المظفر تتبع أسبابه وأمواله ومعارفه بما عظم به البلاء واشتدت به المصيبة.

[فصل في ذكر مقتل يحيى بن حمود]

قال أبو مروان: ذكر لي أنه لما كان عيد أضحى سنة ست وعشرين وأربعمائة، وانغمس يحيى بن علي في شربه ولهوه، سرت في جماعة من بني عمي إلى اشبيلية للاجتماع بابن عمنا محمد بن عبد الله والقاضي ابن عباد، فوصلنا وأعلمناهما من خبر لهو ابن حمود بما رأيناه، فجمعوا جيشاً لقتاله رسماً في بيعة هشام بن الحكم. وقدمت سريه قبله وكمن الجيش وتوجهت فوارس إلى سامره بسوق قرمونه فطار الخبر إلى يحيى بن حمود وهو في سرابه وقد سكر، فنعر نعرة شديدة ووثب قائماً يقول: وبياض بختي الليلة وابن عباد زائري، وركب وركبَ أصحابه وغلمانه، وبادروا الخروج على باب قرمونة في نحو ثلاثمائة فارس، أكثرهم فارس مداجون له كارهون فيه. فمضى على وجهه مضطراً فألقى نفسه على العسكر واشتدت الحرب.

وعلم أنه لا ينجي منه إلا الصدوق فصدق، القتال وحمل على العسكر حملة شديدة. ولم القتال بالجيشين إلى أن أحاطوا بإسماعيل بن عباد ومن معه من الأندلسيين، فنادوا في وجهه وقف الفريقان ساعة وظهر كمين ابن عباد وشدت الجماعة على يحي وقتل جماعة وهر يحيى بن حمود في القتلى فجز رأسه، وسير به إلى ابن عباد باشبيلية فسجد وسجد من حضر السجود. وفرح الناس بقتله واستمرت الهزيمة على أصحاب يحيى حتى ساء ذلك محمد بن عبد الله وغضب لقومه، وكلم ابن عباد في رفع السيف عنه. وسار محمد بن عبد الله إلى قرمونه راكضاً دون إسماعيل بن عباد، فجاءهما لوقته وقد ملك سودان يحيى أبوابها ودخل من ساعته دار يحيى وحاز جميع ما فيها، واستباح نساءه وأباح حرمه لبنيه واستوى في مجلسه ورد الله عليه ملكه، ثم لم يجده على ذلك شاكراً للنعمة. ولما سقط الخبر على أهل قرطبة بقتل يحيى لم يصدقوه لشدة فرحهم.

[فصل قال أبو حيان]

في يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة اثنين وستين وأربعمائة، سار الحاجب سراج الدولة ابن محمد باشبيلية، لتأنيس أهلها من وحشة خامرت عامتهم، لأجل عدوان رجل منهم على يهودي، زعم أنه سب الشريعة فبطش به وسط السوق وجرحه. فقبض عليه صاحب المدينة وحبسه، وكثر كلام العامة في إنكار حبسه وزادوا في ذلك ما خشيت عاقبته. فخاطب السلطان بقرطبة بما كان فيه واستأمره في شأنه، فعجل بإنفاذ جيش كثيف للحوطة على العامة. وأنفذ فيه ذا الوزارتين أبا ابن زيدون على بقية وعك كان متألماً منه، ولم يقبل عذره في التوقف من أجله. ثم سير ولده بعده إليه وخلا مكانهما من المملكة، فوجد الأعداء سبيلاً إلى السعي بهما. واستمر بابن زيدون المرض حتى مات في اشبيلية ودفن فيها، في رجب سنة ثلاث وستين، فقام ولده بعده وسرمدة وحفظ عهد والده في معارفه.

قال أبو حيان: في سنة اثنين وأربعين وأربعمائة أوقع ابن عباد بابن الأفطس، وكان ذلك بسبب أن فتح ابن يحيى خليفة ابن الأفطس، أظهر موالاة لعباد فكاشفه ابن الأفطس وخافه على ما كان ائتمنه عليه من وديعة، كان حملها إليه. ثم أرسل ابن الأفطس خيله للحوطه على ابن يحيى، فاستغاث عباد فندب إليه من عسكره جماعة منتقاه فلما تراءى الجمعان كرت الخيل الأفطسية على خيل عباد وطردتها وتتبعتها وهي لا تعلم بعباد، فإذا هو في كمين قد خرج عليهم فولوا الأدبار وركبهم السيف، وبدل عباد المال في رؤوسهم فحمل إليه منها ثمانية وخمسين رأساً، ومن خيلهم مثل هذه العدة. فقص جناح ابن الأفطس، وأفنى حماته وجمع رجاله وخيله، وقدم إليها إسماعيل ولده مع زين ابن الإسلام، وخرج نحو بلد ابن الأفطس.

<<  <   >  >>