للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرج في أبهة الملوك. وأخذ الوزير عيسى في الخروج معه وأحس بالشرفى صحبته، وزام الانفراد بالمظفر في ذلك فلم يمكنه لضبط طرفة باب مولاه. فألقى عيسى بنفسه إلى مفرح صاحب مدينة الزاهرة (وثغر) المظفر واستغاث به. وأطلعه على ما اطلع عليه فأوصل له رقعه بذلك إلى المظفر، وبين فيها كلما عزم عليه طرفه. فاستيقظ المظفر لنفسه، وأعفى عيسى من الخروج مع طرفه، وألزم طرفة السير فاختل بذلك طرفه وأتى إليه مأمنه وسأل الإعفاء من الخروج فلم يجبه.

وخلا وجه المظفر لعيسى بعده، وذكر له أشياء حنق بها على طرفة وتعجل المظفر الخروج إلى غزوته أثر طرفة فخرج مع وزيره عيسى. وجعل ابن الجزيري يغالطه بالقدح في طرفه وفي قلبه من عيسى النيران المتقدة، وعيسى أعلم الناس بنفاقه وأحرصهم على سفك دمه. فلما سار عند المظفر إلى بعض الطريق دبر عيسى على ابن الجزيري أن ينصرف إلى حضرة، لتحصيل ما بقي من الخراج وتحرير أمر النفقات، ولم يدر بما دربه عليه وعلى طرفة صاحبه.

فلما وصل المظفر إلى سرقسطة وطرفة مرتقب قدوم مولاه على قربة منها، ودخل على أعظم هيئة وأحسن همة وسار إلى قصر مولاه مذالاً بمنزلته فعدله به عن مجلسه ولم تقع عين المظفر عليه. وقيد لوقته وأخرج إلى الخزانة الشرقية، فلم يكن بين دخوله سرقسطة أميراً وخروجه منها أسيراً إلا ساعة واحدة. ثم أنفذ المظفر إلى الحضرة بالحوطة على ابن الجزيري وإيداعه المطبق بالزاهرة. وكتب عيسى الوزير إلى مفرج العامري وإلى عبد الله بن مسلمة وكان من أعادي بن الجزيري بقتله والأراحة منه، فأدخلا عليه في محبسيه قوماً من السودان فخنقوه وأشيع موته وأخرج لا أثر فيه يدل على قتله.

[فصل فيه تلخيص ذكر الدولة العامرية]

قال علي بن بسام هو أبو عامر محمد بن عبد الله بن عامر ابن أبي عامر محمد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك العامري. وعبد الله جده هو الداخل بالأندلس مع طارق بن موسى بن نصير. قال نقلت منت خط ابن حيان، أنه انتهت خلافة بن مروان إلى الحكم تاسع الأئمة فيها. قال: وكان من فضله قد استهواه حب الولد حتى خالف الحزم في توريثه الملك بعده في سن الصبا دون مشيخة الأخوة وفتيان العشيرة. ومن كان ينهض: الأمر ويستقل بالملك قال ابن بسام: وكان يقال لا يزل ملك بني أمية بالأندلس في إقبال ودوام ما توارثه الأبناء عن الآباء، فإذا انتقل إلى الأخوة وتوارثوه فيما بينهم أدبر وانصرم.

ولعل الحكم لحظ ذلك فلما مات الحكم أخفى جؤذر وفائق فتياه ذلك، وعزما على صرف البيعة إلى أخيه المغيرة. وكان فائق قد قال له أن هذا لا يتم لنا إلا بقتل جعفر المصفى. فقال له جؤذر: ونستفتح أمرنا بسفك دم شيخ مولانا. قال له والله ما أقول لكم ثم بعثا إلى المصحفي ونعيا له الحكم وعرفاه رأيهما في المغيرة. فقال لهما المصحفي: هل أنا إلا تابع لكما وأنتما صاحبا القصر ومدبرا الأمر؟ فشرعا في تدبير ما عوما عليه، وخرج المصحفي وجميع أجناده وقوداه ونعى إليهم الحكم، وعرفهم مقصود جوذر وفائق في المغيرة وقال إن بغينا على ابن مولانا كانت الدولة لنا وإن بدلنا استبدل بنا. فقالوا الرأي رأيك فبادر المصحفي بإنقاذ محمد بن أبي عامر مع طائفة من الجند إلى دار المغيرة لقتله، فوفاه ولا خبر عنده فنص إليه الحكم أخاه وعرفه وجلوس ابنه هشام في الخلافة. فقال أنا سامع مطيع فكتب إلى المصحفي بحاله بما هو عليه من الاستجابة.

وأجابه المصحفي بالقبض عليه وإلا وجه غيره ليقتله فقتله خنقاً. وكانت علة الحكم الفالج فلما مات الحكم ليلة الأحد ثاني صفر سنة ست وستين، وقتل المغيرة واستوثق الأمر لهشام بن الحكم، افتتح المصحفي أمره بالتواضع والسياسة واطراح الكبر ومساواة الوزراء في الفرس. وكان ذلك من أول ما استحسن منه وتوفر على الاستئثار بالأعمال والاحتياج للأموال وعارضه محمد ابن أبي عامر فتى ماجد أخذ منه بطرفي نقيض بالبخل جوداً وبالاستبداد أثره وتملك قلوب الرجال إلى أن تحركت همته للمشاركة في التدبير بحق الوزارة. وقوي على أمره بنظره في الوكالة، وخدمته للسيدة صبح أم هشام. كانت حاله في تأدية لطيف الخدمة فأخرجن له أمر هشام الخليفة إلى الوزير جعفر المصحفي بأن لا ينفرد عنه برأي.

<<  <   >  >>