قال ابن حيان: كان عبد الرحمن بن محمد من ولد الناصر لدين الله، قد نصب خليفة بشرق الأندلس، فزحف بمن معه من الأندلسيين العامريين وغيرهم إلى عدوة البرابرة بقرطبة وأعمالهم، وأميرها يومئذ القاسم بن محمود. فخرجوا بحملتهم في سنة سبع وأربعمائة وعقدوا مع المرتضى غزوها، فعرجوا بطريقهم إلى غرناطة ليبدؤوا بحرب من بها من صنهاجة، لأجل غدرهم بسلطانهم المرتضى، فاستأصلوا شأفة البرابرة، وتمكن ملك المحمودية. وكانوا جاءوا في جملتهم بمنذر التجيني وخيران الصقلي وقطعه من الفرنج، فخلوا غرناطة في جماعة كثيرة. وأمير البرابرة يومئذ زاوي بن زيري بن مناد وكان محارباً شجاعاً فارتاعت صنهاجه من عسكر المرتضى، وانزووا إلى زيري ليدبرهم. ونشبت الحرب بينهم أياماً فانهزم الأندلسيون أقبح هزيمة، وتركوا معسكرهم بجميع ما فيه، وفقد المرتضى في ذلك المعترك، وأسر جماعة من أصحابه، توجه بهم زاوي إلى القاسم بقرطبة، واستغنى البرابرة بما غنموه. وكان أول من انهزم من ذلك العسكر منذر بن يحيى التجيني وخيران الصقلي، وجيء برأس المرتضى إلى خيران ومنذر وقد لحقا بالمريه, وسلم أخوه أبو بكر بن هشام ولحق بالعامريين وزهدوا فيه فاستقر عند ابن القاسم، ولم يزل مقيماً عنده إلى أن كان من تقدمه للخلافة ما كان، ونفذ زاوي إلى القاسم بقرطبة كتاباً يشرح ما جرى مع نصيبه من الغنية. وفي جملته سرادق المرتضى فضرب القاسم على نهر قرطبة، واجتمع الناس لينظروه، وضاقت صدورهم لأجله، وكرت ريح المروانية وآيس الناس من دولتهم، ولما نظر زاوي كما جرى من الأندلسيين وخاف العاقبة حمل أصحابه على الخروج من الأندلس فخالفوه فلما يأس منهم، ركب البحر بأهله وماله ولحق بأفريقية. وقد كان ذلك من أعجب ما جرى وأغرب ما سمع وأقام بالقيروان وأقره المعز في دولته، ولم يقلد ولا واحد من أولاده شيئاً من أعماله، وكانوا في غنى عن الولاية، بما حملوه معهم.
[فصل في ذكر عبادة بن ماء السماء]
ذكر أبو عامر بن شعر أنه مات في شوال سنة تسع عشرة بمالقه. وكان سبب موته أن ضاعت له مائة شقال، فاغتم ومات غماً وهو من عمل الموشحات وجسدها وقيل بل إن ابن عبد ربه صاحب كتاب (العقد الفريد) هو أول من شرحها.
فصل في ذكر الخبر عن ولاية القاسم ابن حمود على اشبيلية وانقطاع دولته وتغلب القاضي ابن عباد عليه
كما قال أبو مروان بن حيان: بويع القاسم بن حمود بقرطبة، بعد قتل أخيه بست ليال، وأمن الناس، وكف المفسدين، وقتل قاتلي أخيه. وأقصى السعاة، وأقر الناس على ما هم عليه. وكان قد أسرف في اتخاذ السودان وضعف أمره وهان منصبه.
ولم يزل الأمر يأخذ ويعطي إلى أن استطال البرابرة. واتفق رؤساء القبائل، وخرجوا لقتاله سنة أربع عشرة، فانهزموا ورحلوا عن قرطبة. والتفت على القاسم جماعة يرجونه ودعوه إلى الرجوع إلى اشبيلية وكان له بها ولد مع وزيره محمد بن خالص، فلما سمعت بخبر هزيمته خاف أهلها معرة من معه، فوثبوا على ولده وأصحابه فأحضروهم بدار الإمارة، ووقع بينهم قتال شديد فوافي القاسم باب اشبيلية، ولاطفهم القول وطمع في خدمتهم، فلم يلتفتوا إليه واشتد الأمر على ولده وأصحابه إلى أن رضي القاسم من أهل البلد بإسلام ولده وأصحابه بأموالهم وأهلهم فعاهدوه على ذلك، وخرج ولده ومن معه، وأفضى الأمر إلى أخذ القاسم وولده وتقييدهما وإبطال أمرهما.
[فصل في أخبار أبي عبد الملك بن زيادة]
قال أبو حيان: إنه قتل بقرطبة سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وكان قتله بتدبير من أولاده ونسائه لشحه عليهن، وأنه وجد قتيلاً على فراشه مضروباً بالخناجر في وريديه ولبته وأعلى جسده، وأعلن نساؤه بالصياح والنواح يزعمن أنه طرق وظهر أمره.
قال أبو مروان: وفي منتصف ذي الحجة سنة اثنين وعشرين وأربعمائة بعد خلع المعتمد، وقتل وزيره، أضمر أهل قرطبة على تقليد أمرهم للشيخ أبي حزم بن جهور وأبى ذلك فألحوا عليه حتى أجابهم بشرط اشتراك شيخين محمد بن عباد وعبد العزيز بن حسن ابني عنه خاصة من بين الجماعة في المشورة دون التأمير، فرضي الناس بذلك وخلعوا من دونهم. وتمت رياسته عليهم وأحسن التدبير فيهم واقتصر من الجند على أعيانهم. وقطع أسباب البرابرة إلا من صار في البلد من الموثوق بهم.