قال وكان قد تحيز في وسط المدينة قدر سبعمائة نفس من الوجوه وحاروا في نفوسهم وانتظروا ما ينزل بهم، فلما خلت ممن قتل أو أسر وأخرج من الأبواب والأسوار وبعد من هلك في الزحمة نودي في تلك البقية بأن يبادر كل منهم إلى داره بأهله، وله الأمان، وأزهقوا وأزعجوا. فلما حصل كل واحد بمن معه من أهله في منزله فقسمهم الفرنج لعنهم الله بأمر الملك. وأخذ كل واحد داراً بمن فيها من أهلها. نعوذ بالله من الخطية وكان من أهل المدينة جماعة قد لاذوا برؤوس الجبال وتحصنوا بمواضع منيعة وكادوا يهلكون من العطش فأمنهم الملك على نفوسهم. وبرزوا في صور الهلكى من العطش وأطلق سبيلهم فبينما هم في الطريق إذ لقيهم خيل الكفر ممن لم يشهد الحادثة فقتلوهم إلا من نجا بنفسه قال وكان الفرنج لعنهم الله لما استولوا على أهل المدينة سكنوا وأسروا من أسروا يغتصبون البكر بحضرة أمها ويطأون الثيب بعين زوجها وأهلها وجرى من هذه الأموال ما لم يشهد المسلمون مثله فيما مضى من الزمان.
فصل قال أبو مروان وفي آخر جمادى الأول سنة سبع وخمسين وأربعمائة شاع الخبر بقرطبة بارتجاع برنشتر إلى المسلمين وذلك أن الملقب بالمقتدر أحمد ابن هود الذي كان فرط فيها لأجل سلامة أهلها وأخيه فجرد لها وتوفر على إنعام النظر فيها وصار غليها جماعة من المسلمين ونازلها وصد قوة القتال وفارت الحفايظ وكثرت وتحركت الحسايف وأنزل الله النصر فهوجم البلد وملكوها وما سلم ممن كان فيها إلا من نجا على فرسه واستشهد فيها من المسلمين نحو الخمسين وقتل ممن كان بها من المشركين ألف فارس وخمسمائة بغل.
فصل من النوادر أن أحمد بن سليمان بن هود عزم على الفتك بأخيه يوسف، ولم يزل يراسله حتى تقرر اجتماعها على الخيل للمخاطبة فيما يعم به الصلاح. فلما خرجا أعزلين جاسرين واجتمعا أخذا في الخطاب وشرعا لم يشعر يوسف حتى خرج عليه على فرس بيده رمح فطعنه ثلاث طعنات وكان قد استظهر تحت ثيابه بوردية فوقته شدة الطعن. وعلم العسكران بما جرى فاختلطا ونجا يوسف بنفسه مع أصحابه. وبادر أحمد بقتل ذلك العلج وحمل رأسه على رمح، فسكن الناس وعلم الغدر به وشيع عليه بما لا عذر له فيه. وعادت الحال فيما بينهما على ما كانت عليه وأعظما من المباينة في المعاداة.
فصل قال ابن بسام كان أبو الفضل بن حسداي شريف اليهود ونجم في أفق سرقسطة وهوى جارية غلبته على عقله فذهبت بلبه وحسن بها فأسلم بسببها وعلم بذلك صاحبه فحملها إليه فردها ولم يقبلها وأنف أن ينسب إسلامه إليها ومن أجلها، فحسن ذكره. وكان مشتغلاً بأنواع التعاليم وعلم لسان العرب.
فصل قال علي بن بسام لما هلك المرتضى أمير قرطبة، فوض أمر الإمارة إلى أخيه هشام بنت محمد الناصري وهو ففي سن الشيخوخة. ولا يعلم أن أميراً ولي في مثل سنه وكان معروفاً بالشطارة في شبابه، فأقلع مع شيبته وانقلبت قرطبة سروراً به وركب جيشها لاستقباله فدخل في زي تقتحمه العيون من قلة عدده وعدة واهية، وأبهة على فرس دون مواكب الملوك بجلبة مختصرة، وعليه كسوة رثه، وبين يديه سبع جنائب من خيل الموالي سيروها معه للزينة والناس يمشون ويضجون بالدعاء في وجهه، ولا يعلمون ما سبق لهم من المكروه به، فدخل القصر، وجاء معه في جملة الموالي العامريين، حائك من أبناء الأرذال بقرطبة يسمى حكم بن سعيد الحائك، وكان يحمل السلاح ويعرف بإثارة الفتن. وبات الناس ليلتهم ثم جلسوا من الغد، ووصلوا إليه فظهر من عيه في القول ما لا جناح معه. فكلف بعض الأكابر العبارة عنه ومدحه الشعراء فما اهتز لشيء من مدائحهم، لغلظ ذهنه طبعه. وجلس للمظالم وقرر للناس رواتب لم تجر بها عادة، واعتمد على حكم الحائك في وزارته فأتلف الأموال، وطالب الناس بودائع ولد المظفر ابن أبي عامر، فجر عليهم بسببها شدائد ومصائب.