فصل، قال أبو مروان كان مبارك ومظفر قد وليا وكالة الساقية ببلد بلنسيه، ثم صرفا عنها فدخلا على الوزير عبد الرحمن بن بشار أيام خدمته بها سنة إحدى وأربعمائة، وقد دعيا للحساب فكلماه ومسحا أعطافه فردهما إلى عملهما. وعند خروجهما من عنده تعلق بهما خادم له، كان بدالاً عليه يطلبهما ببرة يده قبالة إحسان مالكه. ولم يكن معهما ما يعطيانه إياه فخلع الخادم لجام فرس مبارك. وكان قد ركبه فبقي فضيحة لا يقدر على حركة، ثم تخلصا منه. فماذا أدت الأيام حتى صارت الإمارة إلى مبارك ونزلت بابن بشار الوزير محنة قرطبة. وأفضت له الحال إلى قصد باب مبارك يستميحه، فأعرض عنه، ولم يلتفت إليه. وما أنصفه في اللقاء فضلاً عن غيره، قال واستخرجا أول إمارتها مائة وعشرين ألف دينار في الشهر ببلنسيه وشاطئها. وأقبلت الدنيا عليهما، وبالغاً في أذية الناس وإخسار الخلق. وحصل من الأموال العظيمة والخيول والأسلحة والحلل ما لم يحصل مثله لملك. وعظماً وعمراً بلنسية وحصناها وأقبلا على إنشاء القصور والمتنزهات وإسراف في النفقات والخدم والتنعم.
قال ابن حيان وكان عبدي مهنة شديدي الجميل واللكنة ولما انتهيا في السعادة والإقبال إلى أبعد غاية هلك مبارك. وكان سبب ذلك أنه تركب فرساً فائقاً مطهماً كان أهل بلنسية قد ضجروا لمال فرضه. فاتفق إذ وقفوا له في ذلك اليوم. فقال اللهم إن كنت أريد إنفاقه في غير منفعة المسلمين فلا تؤخر عقوبتي في هذا اليوم وسار على القنطرة وهي من خشب فخرجت رجل فرسه من حدها فرمى أسفلها، واعترضته خشبة ناتئة من القنطرة فشدخت وجهه، وسقط الفرس عليه فكسر أعضاءه وهلك لوقته وأمن الناس أمره وكفى ظلمه.
فصل: قال أبو مروان: تغلب العدو خذله الله على بريشنز قصبة بلد برطانة: وهي تقترب من سرقسطة في سنة ست وخمسين وأربعمائة وذلك أن جيش الأردمنليس نازلها وحاصرها وقصد يوسف ابن سليمان بن هود في حمايتها، ووكل أهلها على نفوسهم وأقام العدو عليها أربعين يوماً وفتح فيما بين أهلها تنازع على القوت. واتصل ذلك بالعدو فشدد القتال عليها والحصار لبها. فدخل العدو المدينة الأولى في خمسة آلاف مدرع، فدهش الناس وتحصنوا بالمدينة الداخلية وجرت بينهم حروب شديدة، قتل فيها خمسمائة فرنجي. ثم اتفق أن القناة التي كان يجري فيها الماء مكن النهر إلى المدينة تحت الأرض في سرب موزون انهارت، وفسدت ووقعت فيها صخرة عظيمة سدت السرب بأسره فانقطع الماء عن المدين، ويبس من بها من الحياة، فلاذوا بطلب بالأمان على أنفسهم خاصة دون مال وعيال فأعطاهم العدو الأمان.
فلما خرجوا نكث بهم وقتل الجميع إلا القائد ابن الطويل والقاضي أبو عيسى ونفر من الوجوه. وحصل للعدو من الأموال والأمتعة ما لا يحصى حتى أن الذي خص بعض مقدمي العدو بحصته ألف وخمسمائة جارية. قال وقدر عدد من قتل وأسر مائة ألف نفس. ومن نوادر ما جرى على هذه المدينة لما فسدت القناة وانقطعت المياه أن المرأة كانت تقف على السور وتنادي من يقرب مننها وتسأله أن يعطيها جرعة ماء لنفسها أو لولدها فيقول لها: أعطيني ما معك فتعطيه ما معها من كسوة وحلي وغيره. قال: وكان السبب في قتلهم أنه خاف ممن يصل لنجدتهم، وشاهد من كثرتهم ما هاله فشرع في القتل لعنه الله، ثم نادى الملك بتأمين من بقي وأمر أ، يخرجوا فازدحموا في الباب إلى أمن مات منهم خلق عظيم. ونزلوا من الأسوار في الجبال للخشية من الازدحام في الأبواب، ومبادرة إلى شرب الماء.