للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشعر قلدته سلامة ذا ... فائش. الشيء حيث ما جعلا

فلما أنشده هذا الشعر قال: "صدقت، الشيء حيث ما جعل". وأعطاه مئة من الإبل وكساه حللا كرشا مدبوغة مملوءة عنبر. وقال: "إياك أن تخدع عنها. فانصرف عنه حتى أتى (الحيرة) فباعها بثلاث مئة ناقة حمراء. فخاف أن ينتهب ماله، فستجار (بعلقمة بن علاثة العامري) فقال له: "أجيرك من الأسود والأحمر" فقال: "ومن الموت". قال: "لا" فأتى (عامر بن الطفيل) فقال له مثل مقالة (علقمة) . فقال له (الأعشى) : ومن الموت. قال: نعم. قال: "وكيف؟ ". قال: "إن مت في جواري وديتك". فلما سمع (علقمة) جواب (عامر) قال: "لو علمت أن ذلك مراده لهان علي. وكان ذلك في أوان منافرة عامر وعلقمة المشهور. (ولهذه المنافرة قصة طويلة مذكورة في الجزء الخامس عشر من كتاب الأغاني) وكان العرب تهاب أن تنفر أحدهما على الآخر.

ثم إن الأعشى ركب ناقته ونفر (عامرا) وفضله عل (علقمة) بقصيدة سيأتي بعض أبياتها. فهدر علقمة دمه. وجعل على كل طريق رصدا. فهجاه الأعشى أيضا بقصيدة يقول فيها:

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا

وقد كذب في هجوه لعلقمة، فإنه كان من أجواد العرب. وقد أسلم وحسن إسلامه. ولما بلغ ذلك علقمة رفع يده وقال: "لعنه الله. أنحن نفعل هذا بجاراتنا؟ ".

ثم إن (الأعشى) سافر ومعه دليل، فأخطأ به الطريق، فألقاه في ديار (بني عامر بن صعصعة) فأخذ رهط (علقمة بن علاثة) فأتوه به. فقال: "الحمد لله الذي أمكنني منك". فقال (الأعشى) :

أعلقم، قد صيرتني الأمور ... إليك وما أنت لي منقص

فهب لي نفسي فدتك النفوس، ... ولا زلت تنمو ولا تنقص

فقال قوم علقمة: "اقتله وأرحنا والعرب من شر لسانه". فقال علقمة: "إذن تطلبوا بدمه، ولا ينغسل عني ما قاله، ولا يعرف فضلي عند القدرة" وقيل: بل دخل (علقمة) على أمه وقال لها: "لقد أمكنني الله من هذا الأعمى الخبيث". قالت: "فما تراك فاعلا به؟ ". قال: "سأقتله شر قتلة". فقالت: "يا بني، لقد كنت أرجوك لقومك عامة، وإني اليوم لا أرجوك إلا لنفسك خاصة. وإنما الرأي أن تكسوه وتحمله وتسيره إلأى بلاده، فإنه لا يمحو عنك ما قاله إلا هو". ففعل ما أمرته به، وحل وثاقه، وألقى عليه حلة، وحمله على ناقة، وأحسن عطاءه. وقال له: "انج حيث شئت". وأخرج معه من (بني كلاب) من يبلغه مأمنه. فجعل بعد ذلك يمدحه. ومن ذلك قوله فيه:

علقم، يا خير بني عامر ... للضيف والصاحب والزائر

والضاحك السن على همه، ... والغافر العثرة للعاثر

<<  <   >  >>