للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا كُله صَرِيح فِي أَنه لَيْسَ هُوَ الله وَإِنَّمَا هُوَ عبد الله فعل ذَلِك بِإِذن الله كَمَا فعل مثل ذَلِك غَيره من الْأَنْبِيَاء وصريح بِأَن الْإِذْن غير الْمَأْذُون لَهُ والمعلم لَيْسَ هُوَ الْمعلم والمنعم عَلَيْهِ وعَلى والدته لَيْسَ هُوَ إِيَّاه كَمَا لَيْسَ هُوَ والدته

وَالْوَجْه الرَّابِع أَنهم قَالُوا أشاروا بالخالق إِلَى كلمة الله المتحدة فِي الناسوت ثمَّ قَالُوا فِي قَوْله {بِإِذن الله} أَي بِإِذن الْكَلِمَة المتحدة فِي الناسوت وَهَذَا يبين تناقضهم وافتراءهم على الْقُرْآن لِأَن الله أخبر فِي الْقُرْآن أَن الْمَسِيح خلق من الطين كَهَيئَةِ الطير بِإِذن الله فَفرق بَين الْمَسِيح وَبَين الله وَبَين أَن الله هُوَ الْآذِن للمسيح وَهَؤُلَاء زَعَمُوا أَن مُرَاده بذلك أَن اللاهوت المتحد بناسوت الْمَسِيح هُوَ الْخَالِق وَهُوَ الْآذِن فَجعلُوا الْخَالِق هُوَ الْآذِن وَهُوَ تَفْسِير لِلْقُرْآنِ بِمَا يُخَالف صَرِيح الْقُرْآن

الْوَجْه الْخَامِس أَن اللاهوت إِذا كَانَ هُوَ الْخَالِق لم يحْتَج إِلَى أَن يَأْذَن لنَفسِهِ فَإِنَّهُم يَقُولُونَ هُوَ إِلَه وَاحِد وَهُوَ الْخَالِق فَكيف يحْتَاج أَن يَأْذَن لنَفسِهِ وينعم على نَفسه

الْوَجْه السَّادِس أَن الْخَالِق إِمَّا أَن يكون هُوَ الذَّات الموصوفة بالْكلَام أَو الْكَلَام الَّذِي هُوَ صفة للذات فَإِن كَانَ هُوَ الْكَلَام فَالْكَلَام صفة لَا تكون ذاتا قَائِمَة بِنَفسِهَا خالقة وَلَو لم تتحد بالناسوت واتحادها بالناسوت دون الْمَوْصُوف مُمْتَنع لَو كَانَ الِاتِّحَاد مُمكنا فَكيف وَهُوَ مُمْتَنع

فقد تبين امْتنَاع كَونه الْكَلِمَة تكون خالقة من وُجُوه وَإِن كَانَ الْخَالِق هُوَ الذَّات المتصفة بالْكلَام فَذَاك هُوَ الله الْخَالِق لكل شَيْء رب الْعَالمين وَعِنْدهم هُوَ الْأَب والمسيح عِنْدهم لَيْسَ هُوَ الْأَب فَلَا يكون هُوَ الْخَالِق لكل شَيْء وَالْقُرْآن يبين أَن الله هُوَ الَّذِي أذن للمسيح حَتَّى خلق من الطين كَهَيئَةِ الطير فَتبين أَن الَّذِي خلق من الطين كَهَيئَةِ الطير لَيْسَ هُوَ الله وَلَا صفة من صِفَاته فَلَيْسَ الْمَسِيح هُوَ ابْن قديم أزلي لله وَلَكِن عَبده فعل بِإِذْنِهِ

الْوَجْه السَّابِع قَوْلهم فَأَشَارَ بالخالق إِلَى كلمة الله المتحدة فِي الناسوت الْمَأْخُوذَة من مَرْيَم أَنه كَذَا قَالَ على لِسَان دَاوُد النَّبِي بِكَلِمَة الله خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض

فَيُقَال لَهُم هَذَا النَّص عَن دَاوُد حجَّة عَلَيْكُم كَمَا أَن التَّوْرَاة وَالْقُرْآن وَسَائِر مَا ثَبت عَن الْأَنْبِيَاء حجَّة عَلَيْكُم فَإِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ بِكَلِمَة الله خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلم يقل إِن كلمة الله هِيَ الخالقة كَمَا قُلْتُمْ أَنْتُم أَنه أَشَارَ بالخالق إِلَى كلمة الله

وَالْفرق بَين الْخَالِق للسماوات وَالْأَرْض وَبَين الْكَلِمَة الَّتِي بهَا خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَمر ظَاهر مَعْرُوف كالفرق بَين الْقَادِر وَالْقُدْرَة فَإِن الْقَادِر هُوَ الْخَالِق وَقد خلق الْأَشْيَاء

<<  <  ج: ص:  >  >>