للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَاحِد إِذْ لم يفرق بَين الْوَاحِد بالنوع وَالْوَاحد بِالْعينِ فَإِن انقسام الْمَوْجُود إِلَى الْقَدِيم والمحدث وَالْوَاجِب والممكن والخالق والمخلوق والقائم بِنَفسِهِ والقائم بِغَيْرِهِ كانقسام الْكَلَام إِلَى الْأَمر وَالْخَبَر أَو إِلَى الْإِنْشَاء والإخبار أَو إِلَى الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر فَمن قَالَ الْكَلَام معنى وَاحِد هُوَ الْأَمر وَالْخَبَر فَهُوَ كمن قَالَ الْوُجُود وَاحِد هُوَ الْخَالِق والمخلوق أَو الْوَاجِب والممكن وكما أَن حَقِيقَة هَذَا تؤول إِلَى تَعْطِيل الْخَالِق فحقيقة هَذَا تؤول إِلَى تَعْطِيل كَلَامه وتكليمه

وَهَذَا حَقِيقَة قَول فِرْعَوْن الَّذِي أنكر الْخَالِق وتكليمه لمُوسَى وَلِهَذَا آل الْأَمر بمحقق هَؤُلَاءِ إِلَى تَعْظِيم فِرْعَوْن وتوليه وتصديقه فِي قَوْله {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} بل إِلَى تَعْظِيمه على مُوسَى وَإِلَى الاستحقار بِتَكْلِيم الله لمُوسَى كَمَا قد بسط فِي غير هَذَا الْموضع

وَأَيْضًا فَيُقَال مَا تَقول فِي كَلَام كل مُتَكَلم إِذا نَقله عَنهُ غَيره كَمَا قد ينْقل كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء وَالشعرَاء وَغَيرهم وَيسمع من الروَاة أَو المبلغين أَن ذَلِك المسموع من الْمبلغ بِصَوْت الْمبلغ هُوَ كَلَام الْمبلغ أَو كَلَام الْمبلغ عَنهُ

فَإِن قَالَ كَلَام الْمبلغ لزم أَن يكون الْقُرْآن كلَاما لكل من سمع مِنْهُ فَيكون الْقُرْآن المسموع كَلَام ألف ألف قارىء لَا كَلَام الله تَعَالَى وَأَن يكون قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ونظائره كَلَام كل من رَوَاهُ لَا كَلَام الرَّسُول وَحِينَئِذٍ فَلَا فَضِيلَة لِلْقُرْآنِ {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم} فَإِنَّهُ على قَول هَؤُلَاءِ قَول كل مُنَافِق قَرَأَهُ وَالْقُرْآن يقرأه الْمُؤمن وَالْمُنَافِق كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ مثل الْمُؤمن الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب وَمثل الْمُؤمن الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن مثل التمرة طعمها طيب وَلَا ريح لَهَا وَمثل الْمُنَافِق الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مثل الريحانة رِيحهَا طيب وطعمها مر وَمثل الْمُنَافِق الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن مثل الحنظلة طعمها مر وَلَا ريح لَهَا وعَلى هَذَا التَّقْدِير فَلَا يكون الْقُرْآن قَول بشر وَاحِد بل قَول ألف ألف بشر وَأكْثر من ذَلِك وَفَسَاد هَذَا فِي الْعقل وَالدّين وَاضح

وَإِن قَالَ كَلَام الْمبلغ عَنهُ علم أَن الرَّسُول الْمبلغ لِلْقُرْآنِ لَيْسَ الْقُرْآن كَلَامه وَلكنه كَلَام الله وَلَكِن لما كَانَ الرَّسُول الْملك قد يُقَال إِنَّه شَيْطَان بَين الله أَنه تَبْلِيغ ملك كريم لَا تَبْلِيغ شَيْطَان رجيم وَلِهَذَا قَالَ {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم ذِي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مكين} إِلَى قَوْله {وَمَا هُوَ بقول شَيْطَان رجيم} وَبَين فِي هَذِه الْآيَة أَن الرَّسُول البشري الَّذِي صحبناه وسمعناه مِنْهُ لَيْسَ بمجنون وَمَا هُوَ على الْغَيْب بمتهم وَذكره باسم الصاحب لما فِي ذَلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>