للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَكيف لَا يعقل مثل هَذَا فِي كَلَام الله تَعَالَى

والشبهة تنشأ فِي مثل هَذَا من جِهَة أَن بعض النَّاس لَا يفرق بَين الْمُطلق من الْكَلَام والمقيد مِثَال ذَلِك أَن الْإِنْسَان يَقُول رَأَيْت الشَّمْس وَالْقَمَر والهلال إِذْ رَآهُ بِغَيْر وَاسِطَة وَهَذِه الرُّؤْيَة الْمُطلقَة وَقد يرَاهُ فِي مَاء أَو مرْآة فَهَذِهِ رُؤْيَة مُقَيّدَة فَإِذا أطلق قَوْله رَأَيْته أَو مَا رَأَيْته حمل على مَفْهُوم اللَّفْظ الْمُطلق وَإِذا قَالَ لقد رَأَيْت الشَّمْس فِي المَاء والمرآة فَهُوَ كَلَام صَحِيح مَعَ التَّقْيِيد وَاللَّفْظ يخْتَلف مَعْنَاهُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيد فَإِذا وصل بالْكلَام مَا يُغير مَعْنَاهُ كالشرط وَالِاسْتِثْنَاء وَنَحْوهمَا من التخصيصات الْمُتَّصِلَة كَقَوْلِه {ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما} كَانَ هَذَا الْمَجْمُوع دَالا على تِسْعمائَة وَخمسين سنة بطرِيق الْحَقِيقَة عِنْد جَمَاهِير النَّاس

وَمن قَالَ إِن هَذَا مجَاز فقد غلط فَإِن هَذَا الْمَجْمُوع لم يسْتَعْمل فِي غير مَوْضِعه وَمَا يقْتَرن بِاللَّفْظِ من الْقَرَائِن اللفظية الْمَوْضُوعَة هِيَ من تَمام الْكَلَام وَلِهَذَا لَا يحْتَمل الْكَلَام مَعهَا مَعْنيين وَلَا يجوز نفي مفهومهما بِخِلَاف اسْتِعْمَال لفظ الْأسد فِي الرجل الشجاع مَعَ أَن قَول الْقَائِل هَذَا اللَّفْظ حَقِيقَة وَهَذَا مجَاز نزاع لَفْظِي وَهُوَ مُسْتَند من أنكر الْمجَاز فِي اللُّغَة أَو فِي الْقُرْآن وَلم ينْطق بِهَذَا أحد من السّلف وَالْأَئِمَّة وَلم يعرف لفظ الْمجَاز فِي كَلَام أحد من الْأَئِمَّة إِلَّا فِي كَلَام الإِمَام أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا كتبه من الرَّد على الزَّنَادِقَة والجهمية هَذَا من مجَاز الْقُرْآن وَأول من قَالَ ذَلِك مُطلقًا أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى فِي كِتَابه الَّذِي صنفه فِي مجَاز الْقُرْآن ثمَّ إِن هَذَا كَانَ مَعْنَاهُ عِنْد الْأَوَّلين مِمَّا يجوز فِي اللُّغَة ويسوغ فَهُوَ مُشْتَقّ عِنْدهم من الْجَوَاز كَمَا يَقُول الْفُقَهَاء عقد لَازم وَجَائِز وَكثير من الْمُتَأَخِّرين جعله من الْجَوَاز الَّذِي هُوَ العبور من معنى الْحَقِيقَة إِلَى معنى الْمجَاز ثمَّ إِنَّه لَا ريب أَن الْمجَاز قد يشيع ويشتهر حَتَّى يصير حَقِيقَة

وَالْمَقْصُود أَن الْقَائِل إِذا قَالَ رَأَيْت الشَّمْس أَو الْقَمَر أَو الْهلَال أَو غير ذَلِك فِي المَاء والمرآة فالعقلاء متفقون على الْفرق بَين هَذِه الرُّؤْيَة وَبَين رُؤْيَة ذَلِك بِلَا وَاسِطَة وَإِذا قَالَ قَائِل مَا رأى ذَلِك بل رأى مِثَاله أَو خياله أَو رأى الشعاع المنعكس أَو نَحْو ذَلِك لم يكن هَذَا مَانِعا لما يُعلمهُ النَّاس ويقولونه من أَنه رَآهُ فِي المَاء أَو الْمرْآة وَهَذِه الرُّؤْيَة فِي المَاء أَو الْمرْآة حَقِيقَة مُقَيّدَة وَكَذَلِكَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي حَقًا فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صُورَتي هُوَ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهُ فِي الْمَنَام حَقًا فَمن قَالَ مَا رَآهُ فِي الْمَنَام حَقًا فقد أَخطَأ وَمن قَالَ إِن رُؤْيَته فِي الْيَقَظَة بِلَا وَاسِطَة كالرؤية بالواسطة الْمقيدَة بِالنَّوْمِ فقد أَخطَأ وَلِهَذَا يكون لهَذِهِ تَأْوِيل وتعبير دون تِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>