للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَلِكَ مَا سَمعه مِنْهُ من الْكَلَام فِي الْمَنَام هُوَ سَماع مِنْهُ فِي الْمَنَام وَلَيْسَ هَذَا كالسماع مِنْهُ فِي الْيَقَظَة وَقد يرى الرَّائِي فِي الْمَنَام أشخاصا يخاطبهم ويخاطبونه والمرئيون لَا شُعُور لَهُم بذلك وَإِنَّمَا رأى مثالهم وَلَكِن يُقَال رَآهُمْ فِي الْمَنَام حَقِيقَة فيحترز بذلك عَن الرُّؤْيَا الَّتِي هِيَ حَدِيث النَّفس

فَإِن الرُّؤْيَا ثَلَاثَة أَقسَام رُؤْيا بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشَّيْطَان ورؤيا مِمَّا يحدث الْمَرْء بِهِ نَفسه فِي الْيَقَظَة فيراه فِي الْمَنَام وَقد ثَبت هَذَا التَّقْسِيم فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن الرُّؤْيَا يظْهر لكل أحد من الْفرق بَينهَا وَبَين الْيَقَظَة مَا لَا يظْهر فِي غَيرهَا فَكَمَا أَن الرُّؤْيَة تكون مُطلقَة وَتَكون مُقَيّدَة بِوَاسِطَة الْمرْآة وَالْمَاء أَو غير ذَلِك حَتَّى إِن المرئي يخْتَلف باخْتلَاف الْمرْآة فَإِذا كَانَت كَبِيرَة مستديرة رأى كَذَلِك وَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو مستطيلة رأى كَذَلِك فَكَذَلِك فِي السماع يفرق بَين من سمع كَلَام غَيره مِنْهُ وَمن سَمعه بِوَاسِطَة الْمبلغ فَفِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَقْصُود سَماع كَلَامه كَمَا أَن هُنَاكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يقْصد رُؤْيَة نفس النَّبِي لَكِن إِذا كَانَ بِوَاسِطَة اخْتلف باخْتلَاف الْوَاسِطَة فيختلف باخْتلَاف أصوات المبلغين كَمَا يخْتَلف المرئي باخْتلَاف المرايا قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء}

فَجعل التكليم ثَلَاثَة أَنْوَاع الْوَحْي الْمُجَرّد والتكليم من وَرَاء حجاب كَمَا كلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام والتكليم بِوَاسِطَة إرْسَال الرَّسُول كَمَا كلم الرُّسُل بإرسال الْمَلَائِكَة وكما نبأنا الله من أَخْبَار الْمُنَافِقين بإرسال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

والمسلمون متفقون على أَن الله أَمرهم بِمَا أَمرهم بِهِ فِي الْقُرْآن ونهاهم عَمَّا نَهَاهُم عَنهُ فِي الْقُرْآن وَأخْبرهمْ بِمَا أخْبرهُم بِهِ فِي الْقُرْآن فَأمره وَنَهْيه وإخباره بِوَاسِطَة الرَّسُول فَهَذَا تكليم مُقَيّد بِالْإِرْسَال وسماعنا لكَلَامه سَماع مُقَيّد بِسَمَاعِهِ من الْمبلغ لَا مِنْهُ وَهَذَا الْقُرْآن كَلَام الله مبلغا عَنهُ مؤدا عَنهُ ومُوسَى سمع كَلَامه مسموعا مِنْهُ لَا مبلغا عَنهُ وَلَا مؤدا عَنهُ وَإِذا عرف هَذَا الْمَعْنى زاحت الشُّبْهَة

وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يروي عَن ربه ويخبر عَن ربه ويحكي عَن ربه فَهَذَا يذكر مَا يذكرهُ عَن ربه من كَلَامه الَّذِي قَالَه رَاوِيا حاكيا عَنهُ فَلَو قَالَ من قَالَ إِن الْقُرْآن حِكَايَة إِن مُحَمَّدًا حَكَاهُ عَن الله كَمَا يُقَال بلغه عَن الله وَأَدَّاهُ عَن الله لَكَانَ قد قصد معنى صَحِيحا لَكِن يقصدون مَا يَقْصِدهُ الْقَائِل بقوله فلَان يَحْكِي فلَانا أَي يفعل مثل فعله وَهُوَ أَنه يتَكَلَّم بِمثل كَلَام الله فَهَذَا بَاطِل قَالَ الله تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا}

<<  <  ج: ص:  >  >>