للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَوصف الْحَاجة والافتقار هُوَ سُؤال بِالْحَال وَهُوَ أبلغ من جِهَة الْعلم وَالْبَيَان

وَذَلِكَ أظهر من جِهَة الْقَصْد والإرادة فَلهَذَا كَانَ غَالب الدُّعَاء من الْقسم الثَّانِي لِأَن الطَّالِب السَّائِل يتَصَوَّر مَقْصُوده وَمرَاده فيطلبه ويسأله فَهُوَ سُؤال بالمطابقة وَالْقَصْد الأول وتصريح بِهِ بِاللَّفْظِ وَإِن لم يكن فِيهِ وصف لحَال السَّائِل والمسؤول فَإِن تضمن وصف حَالهمَا كَانَ أكمل من النَّوْعَيْنِ فَإِنَّهُ يتَضَمَّن الْخَبَر وَالْعلم الْمُقْتَضى للسؤال والإجابة ويتضمن الْقَصْد والطلب الَّذِي هُوَ نفس السُّؤَال فيتضمن السُّؤَال والمقتضى لَهُ والإجابة كَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما قَالَ لَهُ عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي فَقَالَ قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ

فَهَذَا فِيهِ وصف العَبْد لحَال نَفسه الْمُقْتَضِي حَاجته إِلَى الْمَغْفِرَة وَفِيه وصف ربه الَّذِي يُوجب أَنه لَا يقدر على هَذَا الْمَطْلُوب غَيره وَفِيه التَّصْرِيح بسؤال العَبْد لمطلوبه وَفِيه بَيَان الْمُقْتَضى للإجابة وَهُوَ وصف الرب بالمغفرة وَالرَّحْمَة فَهَذَا وَنَحْوه أكمل أَنْوَاع الطّلب

وَكثير من الْأَدْعِيَة يتَضَمَّن بعض ذَلِك كَقَوْل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {أَنْت ولينا فَاغْفِر لنا وارحمنا وَأَنت خير الغافرين} فَهَذَا طلب وَوصف للْمولى بِمَا يَقْتَضِي الْإِجَابَة وَقَوله {رب إِنِّي ظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي} فِيهِ وصف حَال النَّفس والطلب وَقَوله {إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير} فِيهِ الْوَصْف المتضمن للسؤال بِالْحَال فَهَذِهِ أَنْوَاع لكل نوع مِنْهَا خَاصَّة

يبْقى أَن يُقَال فَصَاحب الْحُوت وَمن أشبهه لماذا ناسب حَالهم صِيغَة الْوَصْف وَالْخَبَر دون صِيغَة الطّلب

فَيُقَال لِأَن الْمقَام مقَام اعْتِرَاف بِأَن مَا أصابني من الشَّرّ كَانَ بذنبي فَأصل الشَّرّ هُوَ الذَّنب وَالْمَقْصُود دفع الضّر وَالِاسْتِغْفَار جَاءَ بِالْقَصْدِ الثَّانِي فَلم يذكر صِيغَة طلب كشف الضّر لاستشعاره أَنه مسيء ظَالِم وَهُوَ الَّذِي أَدخل الضّر على نَفسه فَنَاسَبَ حَاله أَن يذكر مَا يرفع سَببه من الِاعْتِرَاف بظلمه وَلم يذكر صِيغَة طلب الْمَغْفِرَة لِأَنَّهُ مَقْصُود للْعَبد المكروب بِالْقَصْدِ الثَّانِي بِخِلَاف كشف الكرب فَإِنَّهُ مَقْصُود لَهُ فِي حَال وجوده بِالْقَصْدِ الأول إِذْ النَّفس بطبعها تطلب مَا هِيَ محتاجة إِلَيْهِ من زَوَال الضَّرَر الْحَاصِل من الْحَال قبل طلبَهَا زَوَال مَا تخَاف وجوده من الضَّرَر فِي الْمُسْتَقْبل بِالْقَصْدِ الثَّانِي وَالْمَقْصُود الأول فِي هَذَا الْمقَام هُوَ الْمَغْفِرَة وَطلب كشف الضّر فَهَذَا مقدم فِي قَصده وإرادته وأبلغ مَا ينَال بِهِ رفع سَببه فجَاء بِمَا يحصل مَقْصُوده

<<  <  ج: ص:  >  >>