وَهَذِه الْكتب الَّتِي يسميها كثير من النَّاس كتب التَّفْسِير فِيهَا كثير من التَّفْسِير منقولات عَن السّلف مكذوبة عَلَيْهِم وَقَول على الله وَرَسُوله بِالرَّأْيِ الْمُجَرّد بل بِمُجَرَّد شُبْهَة قياسية أَو شُبْهَة أدبية فالمفسرون الَّذين ينْقل عَنْهُم لم يسمهم وَمَعَ هَذَا فقد ضعف قَوْلهم بِالْبَاطِلِ فَإِن الْقَوْم فسروا النُّور فِي الْآيَة بِأَنَّهُ الْهَادِي وَلم يفسروا النُّور فِي الْأَسْمَاء الْحسنى والْحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يَصح تَضْعِيف قَوْلهم بِمَا ضعفه وَنحن مَا ذكرنَا ذَلِك لبَيَان تناقضه وَأَنه لَا يحْتَج علينا بِشَيْء يروج على ذِي لب فَإِن التَّنَاقُض أول مقامات الْفساد وَهَذَا التَّفْسِير قد قَالَه طَائِفَة من الْمُفَسّرين
وَأما كَونه ثَابتا عَن ابْن عَبَّاس أَو غَيره فَهَذَا مِمَّا لم يُثبتهُ وَمَعْلُوم أَن فِي كتب التَّفْسِير من النَّقْل عَن ابْن عَبَّاس من الْكَذِب شَيْء كثير من رِوَايَة الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح وَغَيره فَلَا بُد من تَصْحِيح النَّقْل لتقوم الْحجَّة فَليُرَاجع كتب التَّفْسِير الَّتِي يحرر فِيهَا النَّقْل مثل تَفْسِير مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ الَّذِي ينْقل فِيهِ كَلَام السّلف بِالْإِسْنَادِ وليعرض عَن تَفْسِير مقَاتل بَقِي بن مخلد الأندلسي وَعبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم الشَّامي وَعبد بن حميد الْكشِّي وَغَيرهم إِن لم يصعد إِلَى تَفْسِير الإِمَام إِسْحَاق ابْن رَاهَوَيْه وَتَفْسِير الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة الَّذين هم أعلم أهل الأَرْض بالتفاسير الصَّحِيحَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كَمَا هُوَ أعلم النَّاس بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَغير ذَلِك من الْعُلُوم فَأَما أَن يثبت أصلا يَجعله قَاعِدَة بِمُجَرَّد رَأْي فَهَذَا إِنَّمَا ينْفق على الْجُهَّال بالدلائل الأغشام فِي الْمسَائِل وَمثل هَذِه المنقولات الَّتِي لَا يُمَيّز صدقهَا من كذبهَا والمعقولات الَّتِي لَا يُمَيّز صدقهَا من خطئها ضل من ضل من أهل الْمشرق فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَالْفِقْه والتصوف
وَمَا أحسن مَا جَاءَ هَذَا فِي آيَة النُّور الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهَا {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور} نسْأَل الله يَجْعَل لنا نورا
ثمَّ نقُول هَذَا القَوْل الَّذِي قَالَه بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي هادي أهل السَّمَاوَات لَا يضرنا وَلَا يُخَالف مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُم قَالُوهُ فِي تَفْسِير الْآيَة الَّتِي ذكر النُّور فِيهَا مُضَافا لم يذكروه فِي تَفْسِير نور مُطلق كَمَا ادعيت أَنْت من وُرُود الحَدِيث بِهِ فَأَيْنَ هَذَا من هَذَا
ثمَّ قَول من قَالَ من السّلف هادي أهل السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَا يمْنَع أَن يكون فِي نَفسه نورا فَإِن من عَادَة السّلف فِي تفسيرهم أَن يذكرُوا بعض صِفَات الْمُفَسّر من الْأَسْمَاء أَو بعض أَنْوَاعه وَلَا يُنَافِي ذَلِك ثُبُوت بَقِيَّة الصِّفَات الْمُسَمّى بل قد يكونَانِ متلازمين وَلَا دُخُول لبَقيَّة