للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نِكَاح الكتابيات وَقبل ذَلِك كَانَ إِمَّا عفوا على الصَّحِيح وَإِمَّا محرما ثمَّ نسخ يدل عَلَيْهِ أَن آيَة الْمَائِدَة لم ينسخها شَيْء

الْوَجْه الثَّانِي أَنه قد ثَبت حل طَعَام أهل الْكتاب بِالْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْكَلَام فِي نِسَائِهِم كَالْكَلَامِ فِي ذَبَائِحهم فَإِذا ثَبت حل أَحدهمَا ثَبت حل الآخر وَحل أطعمتهم لَيْسَ لَهُ معَارض أصلا وَيدل على ذَلِك أَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان تزوج يهوديه وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد من الصَّحَابَة فَدلَّ على أَنهم كَانُوا مُجْتَمعين على جَوَاز ذَلِك

فَإِن قيل قَوْله تَعَالَى {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} مَحْمُول على الْفَوَاكِه والحبوب قيل هَذَا خطأ لوجوه

أَحدهَا أَن هَذِه مُبَاحَة من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين وَالْمَجُوس فَلَيْسَ فِي تخصيصها بِأَهْل الْكتاب فَائِدَة

الثَّانِي أَن إِضَافَة الطَّعَام إِلَيْهِم يَقْتَضِي أَنه صَار طَعَاما بفعلهم وَهَذَا إِنَّمَا يسْتَحق فِي الذَّبَائِح الَّتِي صَارَت لَحْمًا بذكاتهم فَأَما الْفَوَاكِه فَإِن الله خلقهَا مطعومة لم تصر طَعَاما بِفعل آدَمِيّ

الثَّالِث أَنه قرن حل الطَّعَام بِحل النِّسَاء وأباح طعامنا لَهُم كَمَا أَبَاحَ طعامهم لنا وَمَعْلُوم أَن حكم النِّسَاء مُخْتَصّ بِأَهْل الْكتاب دون الْمُشْركين وَكَذَلِكَ حكم الطَّعَام والفاكهة وَالْحب لَا يخْتَص بِأَهْل الْكتاب

الرَّابِع أَن لفظ الطَّعَام عَام وتناوله اللَّحْم وَنَحْوه أقوى من تنَاوله للفاكهة فَيجب إِقْرَار اللَّفْظ على عُمُومه لَا سِيمَا وَقد قرن بِهِ قَوْله تَعَالَى {وطعامكم حل لَهُم} وَنحن يجوز لنا أَن نطعمهم كل أَنْوَاع طعامنا فَكَذَلِك يحل لنا أَن نَأْكُل أَنْوَاع طعامهم

وَأَيْضًا فقد ثَبت فِي الصِّحَاح بل بِالنَّقْلِ المستفيض أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَهْدَت لَهُ الْيَهُودِيَّة عَام خَيْبَر شَاة مشوية فَأكل مِنْهَا لقْمَة ثمَّ قَالَ

إِن هَذِه تُخبرنِي أَن فِيهَا سما وَلَوْلَا أَن ذَبَائِحهم حَلَال لما تنَاول من تِلْكَ الشَّاة وَثَبت فِي الصَّحِيح أَنهم لما غزوا خَيْبَر أَخذ بعض الصَّحَابَة جرابا فِيهِ شَحم قَالَ قلت لَا أطْعم الْيَوْم من هَذَا أحدا فَالْتَفت فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْحك وَلم يُنكر عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا اسْتدلَّ بِهِ الْعلمَاء على جَوَاز أكل جَيش الْمُسلمين من طَعَام أهل الْحَرْب قبل الْقِسْمَة

وَأَيْضًا فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجَاب دَعْوَة يَهُودِيّ إِلَى خبز شعير وإهالة سنخة رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد والإهالة فِي الودك الَّذِي يكون من الذَّبِيحَة وَمن السّمن وَنَحْوه الَّذِي يكون فِي أوعيتهم الَّتِي يطبخون فِيهَا فِي الْعَادة وَلَو كَانَت ذَبَائِحهم مُحرمَة لكَانَتْ أوانيهم كأواني الْمَجُوس وَنَحْوهم

<<  <  ج: ص:  >  >>