والنبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الخندق سنة خمس أخر الصلوات، فلم يصلِ العصر -وفي بعض الروايات: ولا الظهر- إلا بعد أن غربت الشمس، وهذا أيضاً صحيح، تأخير الصلوات في الخندق صحيح، وغزوة ذات الرقاع لو كانت صلاة الخوف مشروعة قبل الخندق لما أخر الصلوات حتى غربت الشمس، ما أخرها حتى خرج وقتها، فالعلماء تجاه هذا التعارض وهذا الاختلاف على مسلكين: المسلك الأول: قول من يقول: إن صلاة الخوف إنما تفعل في السفر لا في الحضر، ومعلوم أن ذات الرقاع سفر، والخندق حضر في المدينة، قالوا: لا تفعل في الحضر؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلوات وصلاة الخوف مشروعة قبل غزوة الخندق، ومنهم من يقول: لا، صلاة الخوف مشروعة سفراً وحضراً، وغزوة ذات الرقاع بعد الخندق، وهذا ما حققه ابن القيم في زاد المعاد، وإليه يومئ صنيع البخاري في صحيحه أن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق، ويقرر ابن القيم أن أول صلاة صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلوات الخوف من الأوجه الستة أو السبعة الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام- بعسفان، وهي بعد الخندق، وحينئذٍ تكون ذات الرقاع بعد عسفان، والخندق قبلها فأخر الصلوات؛ لأن صلاة الخوف لم تكن شرعت بعد، والذي يقول -وهم جمهور أهل السير-: إن ذات الرقاع قبل غزوة الخندق، يقول: إن صلاة الخوف إنما تشرع في السفر لا في الحضر؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحضر أخر الصلوات الخندق بالمدينة، صلاة الخوف صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أوجه خمسة أو ستة أو سبعة، ومنهم من أوصلها إلى أكثر من ذلك، قالوا: إلى أربعة عشر وجهاً كالحافظ العراقي، ومنهم -كابن العربي- من قال: ستة عشر وجهاً، ومنهم من أوصلها إلى ستة وعشرين وجهاً، الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- من الصفات المتغايرة ست أو سبع، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-، ومن أوصلها إلى أكثر من ذلك جعل اختلاف الرواة في القصة الواحدة دليلاً على تعدد هذه الصلوات، وبعض العلماء ليس عنده من الجرأة ما يستطيعون أن يوفقوا به بين هذه الروايات، ويحكمون على رواية بعض الثقات أنها شاذة أو مرجوحة، فيجعل مجرد اختلاف الرواة في الشيء الواحد يجعله