الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن مسروق عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن" وفي بعض النسخ: "بعثني" وكل من الأسلوبين جائز، لكن "بعثني" هذا هو الأصل؛ لأنه يتحدث عن نفسه، وبعثه على أسلوب التجريد، يعني جرد من نفسه شخصاً آخر فتحدث عنه.
"بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم ديناراً أو عدله معافرياً" رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
الخبر يرويه مسروق بن الأجدع التابعي الجليل عن الصحابي معاذ بن جبل الذي سبق الحديث عن بعثه إلى اليمن، ويختلف أهل العلم في سماع مسروق منه، فجزم بعض الحفاظ أنه لم يسمع من معاذ، والشيء المؤكد المقرر أن مسروقاً في اليمن، في ذلك الوقت، وسنه يحتمل، فالمعاصرة متحققة، والحرص من مسروق موجود؛ لأنه طالب علم، وسنه يؤهله إلى لقاء معاذ، والأخذ منه، فعلى مذهب من يكتفي بالمعاصرة، وهو الذي يقرره الإمام مسلم، ويرد على خصمه بقوة، الحديث ما فيه إشكال متصل، والذي يقول: لا بد من ثبوت اللقاء يتوقف في مثل هذا.
على كل حال الخبر صحيح، ولا إشكال فيه؛ لأن مسروقاً في وقت معاذ كبير ليس بصغير، يقال: لا يلتقي بمعاذ، ومعاذ هو المتفرد بالقضاء والفتيا، فكيف لا يلقاه مسروق مع شدة حرصه، فالخبر إن قلنا بالاكتفاء بالمعاصرة فلا إشكال، وإن قلنا: لا بد من ثبوت اللقاء فهذا يشكل حتى يثبت أن مسروقاً سمع منه، ولكن أكثر أهل العلم ماشين على تصحيح الخبر إذا ثبتت المعاصرة، ولم يكن ثم مانع من اللقاء، ولا مانع من اللقاء هنا.