وفي لفظ له:"كانت خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك" يعني بعد ذلك "وقد علا صوته، واحمرت عيناه، واشتد غضبه" على ما تقدم "وفي لفظ: "يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول:((من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله)) ".
((من يهده الله فلا مضل له)) الهادي والمضل هو الله -جل وعلا-، فإذا أراد الله هداية شخص لو اجتمعت الخلائق على إضلاله فلن يستطيعوا، ومن أراد الله ضلاله فلو اجتمعت الأمم على هدايته لم يستطيعوا، والعبرة بأبي طالب الذي نفع النبي -عليه الصلاة والسلام- بماله وجاهه، وانتفعت به الدعوة، ومع ذلك حرص عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: لا إله إلا الله عند احتضاره عند وفاته ((قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله)) وعنده قرناء السوء "أترغب عن ملة عبد المطلب؟ " فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، فأنزل الله -جل وعلا-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(٥٦) سورة القصص] هذه عبرة، نعم على الإنسان أن يحرص على هداية والديه وعلى هداية أولاده وزوجه وأقاربه ومعارفه الأقرب فالأقرب، ثم يشمل خيره ودعوته إلى الأقارب والجيران والجماعة، ثم يمتد نفعه إلى الأمة، لكن لا يضمن، عليك بذل السبب، وأما النتيجة والاستجابة بيد الله -جل وعلا-، وإذا نظرنا في سير الأنبياء وجدنا بعضهم لم يستجب له أحد ألبتة، يأتي النبي وليس معه أحد، يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، يأتي النبي ومعه الرهط، وبعض الأنبياء أقرب الناس إليه كنوح زوجته وولده ما استطاع هدايتهم هداية التوفيق والقبول، وإن كان قد بذل السبب إلى آخر لحظة في هدايتهم هداية الدلالة والإرشاد، وبهذا يُعلم أن الإنسان لا يهدي مهما بذل ومهما كان عنده من علم وطريقة وأسلوب، فلا يقول: إنه يهدي.