"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف)) " الأصل أن الجمعة إنما تقام في مسجد واحد، ولا يجوز إقامتها في أكثر من مسجد إلا إذا دعت الحاجة الماسة لذلك لمشقة عظيمة تلحق المصلين، أو لضيق المصلى مع عدم إمكان توسعته، أما إذا أمكن توسعته فإن هذا لا يبرر إقامة الجمعة في أكثر من موضع، وأهل العلم يحكمون بأن الصلاة الثانية باطلة، الأولى هي الصحيحة والثانية باطلة، ونرى التوسع غير المرضي، وإن كانت الحاجة داعية إلى إقامة أكثر من جمعة، لكن ما معنى أن يقام في كل حي خمسة مساجد تقام فيها الجمعة، ويقام في البلد أربعين جامع خمسين جامع مائة جامع، الأصل عدم التعدد، والحاجة تقدر بقدرها، ولا مانع أن يبعد المسجد عن منزل الإنسان كيلو أو أكثر؛ لأن الناس يتضايقون ويتذمرون إذا كان المسجد يبعد مائة متر، ويجعلون هذا ذريعة في مطالبة الجهات في إقامة جامع آخر، المسألة أشد مما يتصوره الناس، الجمعة الثانية باطلة عند أهل العلم إذا كان لا مبرر لها، ولو كان في تقدير بعض الناس ممن ألف الراحة والكسل وعدم المشقة المحتملة، ولو ألف أن مثل هذا مشقة ليس بمشقة، إذا وجد أكثر من مسجد بل وجد مساجد، ونحن نعرف أن بعض المساجد على ما هو معروف عند الحنابلة يدخل الإمام قبل الزوال، والآن الفتوى عممت على أن الصلاة لا تصح إلا بعد الزوال، فصار بعضهم يدخل مع الزوال، وبعضهم يتأخر قليلاً، وبعضهم يتأخر ربع ساعة مثلاً، فهل العبرة بالمسجد الذي تقصده في العادة فيكون دخول الإمام هو الحاسم في هذا المسجد الذي تقصده؟ وإلا بإمكانك أن تقول: هذا المسجد دخل أركب السيارة وأذهب إلى مسجد آخر لم يدخل؛ لأنه يقول:((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة، يكتبون الأول فالأول)) وعلى هذا فهل الأفضل للإنسان إذا سمع المسجد القريب دخل إمامه وشرع في الخطبة أن يركب السيارة ويذهب إلى مسجد أبعد ليدخل قبل الإمام، فعله أن يدخل في مثل هذا الحديث؟ نقول: يرجى، وإلا فما الداعي لمثل هذا التأخير إلا الحرمان