"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- لما استخلف" لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- واستخلف بعده خليفته أبو بكر "كتب له حين وجهه إلى البحرين" وجهه إلى البحرين في شرق الجزيرة العربية، وهو أشمل من القطر المعروف الآن، بحيث يشمل ما دون البحرين، كالأحساء مثلاً، كله يقال له: البحرين "وجهه إلى البحرين" جابياً للصدقات، وأعطاه الكتاب الذي كتبه النبي -عليه الصلاة والسلام- في مقادير الزكاة، كتاب أملاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وختمه بخاتمه، دفع لأبي بكر من يد أبي بكر إلى يد أنس بن مالك، ثقة مطلقة بعضهم ببعض، وهم أهل لذلك، لكن لو كان بيدك وثيقة بهذه المثابة يمكن تدفعها لأي شخص كائناً من كان؟ الآن تيسرت الأمور تبي تعطيه صورة، أو ينسخ له نسخة، لكن النسخة الأصلية كتبت بأمره -عليه الصلاة والسلام-، وختمت بخاتمه، وما ذلك إلا لأن القوم أهل لهذه الثقة، ما قال أبو بكر: تضيع، أو تتمزق من يد أنس، لا، هم أحرص على الدين، وما يتعلق بالدين من كل حريص -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وبحرصهم وثقتهم وصلنا الدين، وسيبقى إلى قيام الساعة كما أنزل، إلى قرب قيام الساعة، على يد هؤلاء الذين نذروا أنفسهم خدمة للدين، والله المستعان.
ثم يأتي من يأتي من الخلوف الذين يطعنون في هؤلاء القوم، سادات الأمة، وأشرافها وعظمائها، الذين بواسطتهم وصل الدين إلى من بعدهم، يعني تصور أن أبا هريرة ما وجد مثلاً كان نصف الدين ضاع على الأمة، تصور أن أنس ما وجد أو غيره من المكثرين لرواية الحديث، لكن الله -جل وعلا- حفظ بهم هذا الدين، ولذلك من أيسر الأمور أن يقول أبو بكر: خذ، هذا كتاب الصدقة مكتوب بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- وعليه ختمه، وما ذلك إلا للثقة المطلقة التي هم على قدرها وعلى مستواها في حفظ الدين، وما يتعلق بالدين، فكل واحد أحرص على حفظ الدين من حفظ نفسه وماله وأهله.