وجاء ما يدل في بعض الأحاديث أن الزكاة بالنسبة للحلي هو الإعارة، كما جاء في قوله:{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [(٧) سورة الماعون] يعني توعد على منع الماعون من إعارته، فقد يؤاخذ الإنسان إذا حبس ما يحتاج إليه، وطلب منه، وهو في حال غنى عنه، فمن أهل العلم من يحمل الزكاة المذكورة في هذا الحديث، وما جاء في معناه على الزكاة اللغوية التي تشمل المال والمنفعة، فإذا أعير هذا الحلي فهذه زكاته، وهذا جواب عن هذه الأحاديث، والأحاديث لا شك أن فيها قوة، والقول بموجبها قول له حظ من النظر، ويُفتى به الآن، يعني بعد أن انتشرت هذه الأحاديث، وعرفت في أوساط الناس، ووجد من يتحرر من المذاهب من أهل العلم، قالوا بوجوب زكاة الحلي، وإلا فما كانت الفتوى على هذا، وعلى كل حال الرجال يعرفون بالحق والدليل، والحق لا يعرف بالرجال، فما دام هذه الأدلة فيها قوة فإخراج الزكاة من الحلي له وجه، والإلزام يحتاج إلى أمر أوضح وأصرح من هذه الأدلة مع وجود المعارض.
وعلى كل حال من أخرج الزكاة احتياطاً فله حظ من النظر، ومن قال بوجوبها مستنداً على هذه الأحاديث أيضاً عنده ما يعتمد عليه، ومن عمل بالأصل وأن جميع ما يقتنى ورأى أن هذه الأدلة لا يمكن أن تقاوم الأصل، فله أيضاً نصيبه من النظر، ولا شك أن الاحتياط في إخراج زكاة الحلي.
قال -رحمه الله-: "وعن سمرة بن جندب قال: أما بعد" كأنه خطب خطبة كما هو شأن الخطب أن تبتدئ بالحمد والثناء والصلاة، ثم قال: أما بعد، كسائر الخطب، أو كتب كتاباً ثم قال فيه بعد ذلك: أما بعد، وأما بعد سنة مأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، رواها عنه أكثر من ثلاثين صحابياً في خطبه ومكاتباته.
يقول:"أما بعد: فإن" عرفنا في كتاب الجمعة أن (أما) حرف شرط وتفصيل، و (بعد) قائم مقام الشرط، وجواب الشرط ما بعد الفاء "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وذكرنا في ذلك الباب الأقوال الثمانية في أول من قالها لأهل العلم.
جرى الخلف (أما بعد) من كان بادئاً ... بها عُد أقوال وداود أقربُ