((والبئر جبار)) شخص حفر بئراً يستقي منها الناس، فجاء شخص فوقع فيها، هذا هدر، لكن لو أن صاحب البئر الذي حفر غطاها بغطاء لا يمنع من السقوط فيها، ولا يعرف أنها بئر، جاء بلوح رقيق ووضعه فوقها، ووضع فوقه التراب، ثم جاء واحد وسقط يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لأنه هو الذي غره وغشه بهذا.
ذكر الشاطبي -رحمه الله- في الموافقات أن اثنين ممن يدعون وصول الغاية في التوكل يمشيان في طريق فوقعا في بئر، ومن توكلهم على حد زعمهم أن الناس يمرون بهم ولا يطلبون منهم إخراجهم، حتى جاء قوم قالوا: إن هذه البئر في طريق الناس، فلو طممناها -يعني سقفناها-، وهما يسمعان تحت، فسكتا حتى طمت عليهم البئر وماتا فيها، يعني هل هذا من التوكل؟ ليس هذا من التوكل، هذا من التفريط، فعل السبب لا ينافي التوكل.
((البئر جبار)) عرفنا أنه إذا كانت ليس في طريق فيه شيء من الغرة، أما إذا وجد فيه شيء من الغرة، مثلما قلنا: لو وضع عليها لوح رقيق، وذر عليه شيء من التراب بحيث يتورط من يمشي عليها فيسقط، هذا يضمن بلا شك.
((البئر جبار)) إذا كانت واضحة للناس، يستقون منها، ويعرفون مكانها، لكن لو جاء أعمى ويمشي وسقط في بئر، يضمن وإلا ما يضمن؟ إذا حفرها إنسان متبرعاً بها لسقي الناس، وعرفها الناس، وصاروا يستقون بها، ويردون عليها انتهى، انتهت مسئوليته، فمن يقع فيها حينئذٍ جبار، لكن لو جاء أعمى فسقط فيها، هل نقول: يضمن صاحب البئر أو نقول: إن الأعمى مفرط؟
طالب: الأعمى مفرط.
يعني الأصل أن الأعمى يتخذ قائد، أو يتخذ عصى يستعين بها لمعرفة ما أمامه، لكنه إذا فرط فيضمن، فلا ضمان له، فهو هدر حينئذٍ.
((والمعدن جبار)) يعني الذي يسقط فيه؛ لأنه يحفر كالبئر، ويستخرج ما فيه جبار.