"فقلب فيهما البصر، فرآهما جلدين" قويين، يستطيعان العمل، يأتي شاب في العشرين والخمس والعشرين والثلاثين يسأل الصدقة؟! لماذا لا تكتسب؟ رآهما جلدين، ما يعطى هؤلاء إلا بعد تثبت أنهما ما وجدا عمل، إذا لم يجدا عمل إلى الله المشتكى، وصف الفقر لازم لهم، أو كررا العمل فأخفقا في التجارة، ومع ذلك يعيدان الكرة.
"فرآهما جلدين، فقال:((إن شئتما أعطيتكما)) " يعني من الزكاة ((إن شئتما أعطيتكما)) يعني ترك الأمر لذمتهما، وكل الأمر إليهم، ((إن شئتما أعطيتكما)) لكن هذا الأصل ((لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب)) ((لا حظ فيها لغني)) يملك ما ينفق به على نفسه وعلى من تحت يده ((ولا لقوي)) يكفي؟ ((مكتسب)) لأنه قد يكون قوي لكن لا يعرف يكتسب، وقد يعرف الاكتساب لكنه ليس بقوي لا يقوى على الاكتساب، فالمسألة أعني الزكاة لا حظ فيها لغني بالفعل ولا بالقوة؛ لأن هناك اتصاف بالوصف فعلاً، واتصاف به بالقوة القريبة من الفعل، ولذا يقولون: فلان فقيه بالفعل، وفلان فقيه بالقوة القريبة من الفعل، يذكرون هذا في كتب الأصول، فلان فقيه بالفعل المسائل حاضرة في ذهنه بأدلتها، وفلان فقيه بالقوة القريبة من الفعل، إذا سألته ما أجاب الحكم ليس بحاضر في ذهنه، لكنه إذا رجع إلى المصادر والمراجع استطاع أن يحرر المسألة بأدلتها، ويخلص بالقول الراجح بالطريقة المتبعة عند أهل العلم، ولذا ما أحد قال في مالك: إنه ليس بفقيه مع أنه سئل عن مسائل فأجاب عن بعضها، وقال عن كثير منها: الله أعلم، لكنه فقيه بالفعل، وهو أيضاً فقيه بالقوة القريبة من الفعل، فالذي لديه خبرة ودربة ومعرفة كيف يتعامل مع النصوص هذا فقيه بالقوة القريبة من الفعل، وإن لم تكن المسائل حاضرة في ذهنه، وهنا يوجد الغني بالفعل الذي لديه الأموال والأرصدة، ويوجد الغني بالقوة القريبة من الفعل، إذا اتصف بأمرين بالقوة والقدرة على الاكتساب، القوة والاكتساب.
"رواه الإمام أحمد، وقال: ما أجوده من حديث! وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه".