هذه الرخص معلقة بوصف مؤثر هو السفر لا غير، سواءً وجدت المشقة أو لم توجد، السفر لا شك أنه مظنة المشقة، وكان القصر معلقاً بالخوف، ثم ارتفع الوصف {إِنْ خِفْتُمْ} [(١٠١) سورة النساء] وبقي الوصف المؤثر للقصر وهو السفر، وكذلك الفطر في رمضان يبيحه السفر المعروف عند أهل العلم، وكل على مذهبه في طوله ومدته، مما سبق شرحه وبيانه في موضعه من هذا الكتاب، فإذا تحقق هذا الوصف فإن الصائم له أن يفطر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(١٨٤) سورة البقرة] يعني فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، إذا أفطر في السفر لوجود الوصف المؤثر الذي علق عليه الترخص، إذا أفطر ولو كان السفر لا يشق عليه، فيجب عليه عدة من أيام أخر، إذا لم يفطر فليس عليه عدة من أيام أخر خلافاً للظاهرية في قولهم: إن المسافر لا يصح صومه، بل يلزمه عدة من أيام أخر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [(١٨٤) سورة البقرة] يعني فعليه عدة، أو فيلزمه {عدة من أيام أخر} لكن الجمهور يقدرون في ذلك فأفطر، وعلى هذا الصوم في السفر رخصة، ومنهم من يفضله مطلقاً، أوجبه الظاهرية كما سمعنا، وأن المسافر لا يصح منه الصوم، وعليه على أي حال عدة من أيام أخر، والجمهور يصححون الصوم، لكن منهم من يفضل الفطر؛ لأنها رخصة من الله -جل وعلا-، والله -سبحانه وتعالى- جواد كريم يحب أن تؤتى رخصه، ومنهم من يقول: الصوم أفضل، ومنهم من يقول: إذا شق عليه الصوم فالفطر أفضل، وإذا لم يشق عليه الصوم فالصوم في وقته أفضل، ولو كان مسافراً، وإذا زادت المشقة على المسافر فيتجه ما في هذا الحديث:((أولئك العصاة، أولئك العصاة)) فلا يطرد الحكم في كون الصيام في السفر أفضل، ولا كون الفطر أفضل مطلقاً، بل إذا تساوت المشقة الحاصلة بسبب الصوم مع السفر مثل المشقة الحاصلة بسبب الصوم في الحضر فالمتجه التساوي؛ لأن المبيح للفطر قائم، والملزم بالصيام قائم، وبعض الناس سفره أقل مشقة منه في حال الإقامة كمن بلده حار ويسافر إلى بلد بارد، فهو في السفر أريح منه في حال الإقامة مثل هذا إذا صام والداعي للصيام ما زال قائماً، ووقت الصيام وهو