((فهجرته إلى الله ورسوله)) هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة مرتين، وهاجروا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة، ووجبت الهجرة على من أسلم أن يهاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنُع المهاجر أن يمكث في البلد الذي هاجر منه، الذي تركه لله، ولم يستثن من ذلك إلا المستضعف الذي لا يستطيع حيلة، ولم تذكر الحيلة في شيء من النصوص صراحة إلا في الهجرة؛ لماذا؟ لعظم الأثر المترتب على إقامة المسلم بين الكفار، فالحيلة الصريحة إنما جاء التنصيص عليها في الهجرة، والسبب في هذا عظم الأثر المترتب على إقامة المسلم بين ظهراني الكفار، وكم من أخبار وكم من قصص يندى لها الجبين بالنسبة لمن يقيم بين ظهراني الكفار، وكم من شخص ارتد -نسأل الله السلام والعافية- بسبب ذلك، وأولاد المسلمين يؤخذون قهراً منهم، ويعلمون في مدارس غيرهم، السبب في هذا إقامتهم بين ظهراني الكفار إلا العاجز، العاجز الذي لا يستطيع حيلة مثل هذا معذور، جاء التنصيص عليه في آية النساء، أما الذي يستطيع أن ينتقل من بلاد الكفر إلى بلاد المسلمين يجب عليه ذلك.
وقد برئ المعصوم من كل مسلم ... يقيم بدار الكفر غير مصارم
المقصود أن الأمر ليس بالسهل لعظم الأثر المترتب عليه، والحيلة الشرعية إنما تجوز وتكون شرعية إذا كانت مما يتوصل به إلى فعل الواجب أو ترك المحرم، أما إذا كانت الحيلة على العكس يتوصل بها إلى ترك واجب أو إلى فعل محرم هذه حيل اليهود التي نُهينا عن التشبه بهم فيها ((لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)) فالذي يتحايل على الواجبات فيتركها، أو يتحايل على المحرمات فيرتكبها هذا فيه شبه من اليهود.