وكان الناس إلى وقت قريب قبل أن تفتح الدنيا على الناس فيهم الوضوح والصدق، حتى أنه وجد من يوكل خصمه ليدلي بحجته عند القاضي، يقول: أنت تعرف القضية من أولها إلى آخرها، يقول لخصمك، اذهب وقل للقاضي المسألة كذا وكذا، فإذا قضى لأحدنا انتهينا، وبالفعل يذهب الخصم ويشرح القضية للقاضي فيقول: الحق لصاحبك، ويذهب هذا لصاحبه ويقول: الحق لك، وهناك أمور من الفجور الظاهرة والخفية، هناك أمور تخفى على كثير من الناس، شريح القاضي جاءه ولده وقال له: يا أبتي إن لي خصومه مع بني فلان أريد أن أعرضها عليك، فإن كان الحق لي جئت بهم وإلا تركتهم، قال: أعرض، فلما عرضها، قال: الحق لك هاتهم، فجاء بهم فقضى عليه، هو من الأصل الحق لهم، ليس له، فقضى عليه، وقال: إن الحق لهم، فلما انتهت القضية، قال: يا أبتي أن قلت لك من الأول: أخبرنا أن الحق لهم ونرتاح ونريحهم، قال: لا، لو قلت: إن الحق لك ذهبت تصالحهم على أدنى شيء؛ لأن بعض الناس يفتدي التعب والحضور إلى المحاكم والقضاة بما يستطيع، يعني لو شخص ادعي عليه بمليون ريال، جاءه شخص مفتري ليس عنده أدنى بينة، قال: في ذمة فلان عنده مليون ريال، يا الله عند للقاضي ...