((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) ولعل المراد به حديث النفس في بداية الأمر، ثم إذا تحدث به إلى غيره، وشكا الأمر إلى غيره جاء حديث اللسان:((ولا تحسسوا، ولا تجسسوا)) ولا تحسسوا يعني: لا تفتشوا وتدققوا في بواطن الأمور وخفاياها بحيث يترصد الإنسان ويترتقب الزلات، ويتحسس حاجات البيت ليرتب عليها النتائج السيئة، لماذا انتهى هذا؟ لماذا فرغ هذا؟ يومياً يدخل المستودع ويتفقد، ما صارت حياة هذه، لماذا نقص هذا؟ لماذا زاد هذا؟ من أين جاء هذا؟ اترك، إلا إذا خشيت من ريبة فالأمر أشد، لكن مجرد التحسس وتطلب الأخبار والأمور والتفتيش هذا إذا كان في الأمور المباحات، يعني إنسان لو نظرنا إلى الشعير الذي عند عائشة -رضي الله عنها- أخذت تأكل منه مدة، فلما كالته انتهى، دل على كون الأمور تمشي في البركة من غير تدقيق، ومن غير تحسس ولا ترقب متى يفرغ؟ متى ينتهي؟ مثل هذا لا شك أنه أدعى إلى البركة، ولما كالت الشعير وعرفت مقداره انتهى، فإذا كان هذا في مثل هذه المادة المباحة فلن يكون تحسس الأخبار والتجسس والجاسوس صاحب السر، ويطلق على الذي يتحسس الأخبار السيئة ويتجسسها بخلاف الناموس الذي هو صاحب سر الخير.
((ولا تجسسوا)) لا تترقب، لا تتصنت، لا تستمع إلى حديث غيرك، لا تراقب جارك، والله الجار دخل اليوم بكذا، خرج بكذا، هذا تحسس، لكن إن كان قصدك إيقاع الشر به وجمع المعلومات التي توقعه في كارثة أو في مصيبة فهذا تجسس، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يخبروه عن أحد ((لا تخبروني عن أحد من أصحابي)) وذلك أدعى إلى سلامة الصدر، يأتيك اليوم يخبرك عن خبر، والله فلان قال كذا، وعلان كذا، وفلان صنع كذا، تنشحن النفوس، وتسوء القلوب، وتفسد النيات، فهذه الأمور ينبغي أن تسود بين المسلمين على أكمل وجه من الصفاء والمودة والمحبة.