هذا في حيز البدعة، نعمل بعمل شرعي نتدين به ولم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة هذه بدعة، ولا نقول: إن هذه نافلة نتساهل فيها، نعم تتساهل في كيفية أدائها إذا ثبتت بما ثبت، فالتساهل لا بد أن يكون له أصل.
بعض الناس إذا صف للفريضة احتاط لها ولم يتحرك، وإذا صلى النافلة أداها على أي وجه وتساهل تساهل شديد، بحيث تكون صلاته كالعابث، هل هذا يسوغ أو لا يسوغ؟ هل نقول: إننا نتساهل في النافلة لأنها نافلة؟ وعلى كل حال هي ربح ورأس المال الفريضة، نحرص عليه ونفرط في النافلة؟ لا أبداً، لا بد أن تؤدى العبادة سواءً كانت نافلة أو فريضة على وجه شرعي، وإلا نكون بذلك قد ابتدعنا.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت:{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(٢٣٨) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" متفق عليه، وليس في البخاري: "ونهينا عن الكلام".
"إن كنا" (إن) هذه مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن كما يقول أهل العلم، و "كنا لنتكلم" اللام للتأكيد، "لنتكلم في الصلاة" جنس الصلاة ويشمل الفريضة والنافلة، كانوا يتكلمون؛ لأن الكلام جائز في أول الأمر، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، الحاجة في تقسيم أهل العلم قسيم للضرورة، كما أنها قسيم للتحسين والكمال، فهل المراد بالحاجة في الحديث ما اصطلح عليه أهل العلم من التقسيم الثلاثي؟ كانوا يتكلمون بحاجة، يعني لا يتكلمون بأشياء تكميلي، تحسيني، وإذا تكلموا بالحاجة فالضرورة من باب أولى، وإذا نسخ الكلام من أجل الحاجة فينسخ الكلام من أجل التحسين من باب أولى، لكن لا يلزم منه نسخ الكلام في حال الضرورة، واضح الكلام وإلا ما هو بواضح؟
لأن عندنا الحاجة "يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" قسيم للضرورة والتحسين والكمال، فالنسخ يتناول المنصوص عليه، ويتناول الأدنى من باب أولى، لكنه لا يتناول الأعلى، أو نقول: إن الحاجة أعم وأشمل من أن تكون ضرورة أو حاجة أو تكميل فينسخ الجميع؟ واضح يا الإخوان وإلا ما هو بواضح؟